Site icon IMLebanon

عباقرة لبنان يطيحون الآلة الحاسبة

 

بعد تفوّق لبنان ودخوله موسوعة غينيس في العام 2017

 

في مشهدٍ مُذهل تكرر غير مرة، وعلى مراحل عدة وبحركات غريبة، ظلّ الشاب أحمد الشحيمي يجيب على أسئلة أحد المدربين على عمليات حسابية مُعقدة تشمل الضرب والجمع لأرقامٍ كبيرة، بشكل فوري باستخدامه تقنيات “الحساب الذهني”، وعلى الرغم من الصعوبات المتدرجة في المعادلات حافظ الشحيمي على نفس السرعة والدقة، حتى توج بجائزة بطل الأبطال في المسابقة العالمية للحساب الذهني، التي اختتمت في 22 كانون الاول الماضي في تايلاند، محققاً رقما قياسياً جديداً بفوزه على منافسيه من 23 دولة.

تعتمد آلية التدريب التي سمحت للعبقري الشحيمي(16 سنة) التلميذ في صف البكالوريا القسم الاول، ولـ 13 لبناني ولبنانية فازوا بجائزة “بطل” موزعين على 4 فئات عمرية، والذين مثلوا لبنان أفضل تمثيل على صعيد العالم في العام 2019 على استخدام “المعداد”Soroban أو ” الأباكوس” (Abacus)، وهو أداة حاسبة استخدمت في اليابان والعديد من البلدان منذ آلاف السنين لإجراء العمليات الحسابية. وبعد فترة من التدريب، يقل معدل إستخدام هذه الأداة البسيطة تدريجياً لدى الأطفال وحتى الشباب دون الـ 22 عاما، بعد أن يعتمدوا على تخيل الأداة أثناء القيام بالعمليات الحسابية الذهنية ليصلوا إلى سرعة هائلة تتخطى سرعة الآلة الحاسبة.

 

“عندما أعلنت اللجنة المنظمة فوزي بأصعب فئة في العالم هي (فئة أعمار 14 الى 22 سنة) في flash computing في مسابقة PAMA Global شعرت بالفخر والإعتزاز برفع علم لبنان عالياً، لأنني أثبت لكل دول العالم أن بلدي سيبقى الرقم الصعب في البطولات العالمية للحساب الذهني، وأنه سيبقى رمز التفوق والتألق في أهم المحافل العالمية، وهذا لا يزيدني إلا طموحاً وإصراراً على المحافظة على لقبي وتحقيق إنتصارات جديدة لرفع علم بلادي مجدداً على كل المنصات العالمية” يقول الشحيمي، مؤكداً أن العقل كالجسم الذي كما يحتاج الى تمارين رياضية ليبقى سليماً، كذلك العقل يحتاج الى هذه التمارين كي يحافظ عى صحته ويتطور بإستمرار.

 

الأجوبة سريعة ودقيقة

 

الخوف لم يقف عائقاً أمام الشحيمي خلال المسابقة، بل كان واثقاً أنّه سيُحقّق نجاحاً باهراً بعد كلّ الجهد الذي بذله أثناء التّحضير، فـ”كان كتير سهل إنّو حلّ الأسئلة”، ولا عجب فالـ”soroban” هو الصورة الحديثة لفن الحساب الذهني القديم، إذ يعتمد على الجمع بين المفهوم الصيني القديم والأبحاث العلمية الحديثة، لإجراء عمليات حسابية سريعة ودقيقة، على سبيل المثال ان قسمة رقم من عشرة أعداد كـ 3,946,055,388 على 79,348=

 

يستغرق حلها 6 ثوان والجواب 49,731 أما ضرب 25,639بـ 5,263= 134,938,057 ووقت الحل لا يتخطى الثواني الخمس.

 

وطريقة soroban أُعيد إحياؤها في لبنان منذ أكثر من 10 سنوات، وبعد إثبات جدواها في زيادة التركيز والذكاء لدى التلاميذ، توّجتها بيروت باستضافتها المسابقة العالمية في 4 أيار 2019، حيث شدد فيها المدير العام لمؤسسة “Genius MAP “الدكتور هادي حمزة على أن “هذا تحدٍ جديد للبنان بعد دخوله موسوعة غينيس للأرقام القياسية لأكبر مسابقة رياضيات ذهنية في العام 2017″، واعداً بتحقيق “المزيد للبنان وبرفع علمه على كل المنصات الفكرية والإبداعية في العالم”، خصوصاً بعد انتشارها في الكثير من المعاهد والمدارس اللبنانية، بدليل مشاركة 1300 تلميذ تأهلوا من المسابقات المناطقية في المحافظات كافة في مسابقة العام 2019.

 

 

 

إكتشفوا العبقرية في دواخلكم

 

 

 

وفي هذا السياق يوضح حسن بيلون، مدير قسم الإشراف التربوي لمراكز genius MAP والحائز على أفضل مدرب للحساب الذهني في تايلاند: “هو من البرامج التعليمية الرائدة تطبق في ما يقارب الـ 180 مدرسة ومعهداً، وفي أكثر من 40 دولة، وتعتبر أداة تعليمية فعالة تساعد الملايين من الأطفال على تنمية قدراتهم الذهنية منذ مرحلة مبكرة”، مشيراً إلى أنه لا شروط أكاديمية لانتساب التلاميذ (من عمر 4 وحتى 16 عاماً) الضعيف كما المتميز، لافتاً إلى أن هذه الدورات لم تصبح “موضة” عند الاهل، بل تحولت الى ثقافة بعد إيماننا بأهمية هذه العلوم، نظراً لإنعكاساتها الإيجابية على من يتعلمها، وكما نرى وبوضوح التفوق الياباني على مستوى العالم مرتبط ببعض جوانبه بهذه العلوم، فكل طفل هو متميز في مجال ما، ويمكنه أن يُبدع إذا دُرب بالطريقة الصحيحة، وفق بيلون.

 

وبلهجة الواثق بنفسه ينصح الشحيمي كل أبناء جيله بالإنتساب الى مركز الحساب الفوري” genius MAP”، لأنهم سيلمسون فرقاً كبيراً في أنفسهم، وسيكتشفون “العبقرية” في دواخلهم، والتي تخولهم تحقيق إنجازات عالمية، بعد أن إختبر ذلك مع بيلون وحمزة، من دون أن ينسى فضل الله عليه وفضل والديه وأصدقائه ومدربه في بداية مشواره هادي أبو فخر.

 

تطوير الموهبة… مفتاح العالمية

 

النصيحة ذاتها يقدمها محمّد نزيه المير ( 16 سنة ) تلميذ بكالوريا قسم اول- علمي، القادر على الإجابة على معادلات القسمة والضرب في ثوان معدودة وهو يحمل لقب بطل العالم للنّاشئين في الحسابات الذّهنيّة لخمس مرّات متتالية (2014 حتى2018) والفائز بالمركز الثّاني في العام 2019 من خلال مسابقة junior mental بقوله:” تقنيّة الحساب الذّهنيّ تساعد على تحفيز وتنشيط الذّاكرة على الحفظ والتّحليل وتزيد الثّقة بالنّفس، وأنصح أبناء جيلي بتعلّم هذه الطّريقة لعلّهم يتمتعون بموهبةً كفيلة بتحقيق الأرقام القياسية العالمية، وألّا تبقى هواية لملء أوقات فراغهم”. ولم يخيّب الطفل محمد نزيه المير آمال عائلته ومدرسته ومدينته طرابلس ومركز Genius MAP الذي كانت بداية مشواره معه، فكان على قدر المسؤولية وعلى حجم التحدي، الذي أهّله لحمل لقب العبقري الأول في العالم عن المسابقة للعام 2014 التي أقيمت في ألمانيا بمشاركة 55 متنافساً من 40 دولة، مبدياً فخره بهذا الإنجاز: “شعرت بالفخر الشّديد، وأظهرت الصورة الحضارية لمدينتي طرابلس الّتي لطالما وُصِفت بالإرهاب كما يُمثّل ذلك إضافةً مهمّةً للـ CV الخاصّ بي عند التّقدّم لأيّ جامعة أو وظيفة”. وحتى الآن، وعلى الرغم من إصدار مجلس الوزراء قراراً في العام 2014 بالتكفّل بتكاليف دراسته لم يلمس المير ترجمةً للوعود التي قطعها عليه وزيرا التّربية السّابقين الياس بو صعب ومروان حمادة والرّئيس سعد الحريري، في المقابل حصل على مبلغ 50 مليون ليرة من وزارة الاتّصالات العام 2014 بعد نجاحه في عهد الوزير بطرس حرب، مع نيله منحة من جمعية العزم والسعادة، فيما تبقى تكاليف السّفر والتّدريب كافّة على حساب عائلته.

 

وإذ يصف بيلون هذه البرامج التعليمية بـ “رياضة لكمال العقول”، يكشف أن الأهم هو ما أثبتته الدراسات بأن الحساب الذهني يساعد التلميذ على التفوق دراسياً، فبعد سنتين من التدريب المتواصل على البرنامج يحقق علامات عالية في التاريخ والجغرافية والتربية والعلوم، وهذا دليل ملموس على أننا لا نعمل على مادة الرياضيات والارقام بل على مهارات الدماغ، وتطوير الذاكرة عند التلميذ.