مشهد الأمس المقرف إلى حدّ الغثيان الذي تابعناه بتقزّز من الدّرك السياسي الذي بلغته الحياة السياسيّة والنيابيّة في بلدنا، بالرّغم من ظلاله السوداء التي ألقى بها على «السرقة المنظمة» للبنان وشعبه إلا أنّه لا يستدعي التوقّف عنده، لأنّ الأحداث الحقيقيّة في مكان آخر، ولأنّه مشهد «لبناني» يؤكّد أنّنا نعبر نفقاً مسدوداً في الوقت الإقليمي الضائع!!
لن تكون نتيجة حظوظ روسيا في دخول الحرب في سوريا بأفضل ممّا خَلُصَ إليه غرق إيران ومعها أداتها حزب الله في الدَّمِ السوريّ الموحِل، خصوصاً بوجود نظامٍ غبيّ «مُكَنفَشٍ» كطاووس، وبالرّغم من أن هذا النّظام يلفظ أنفاسه إلّا أنّ «عبقرية» وليد المعلم نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية السوري، قادتْهُ إلى «نبوءة» من وزن أنّ «روسيا ستفوز دون شك في حملتها ضد التنظيمات الإرهابية لأنها تنسق مع الجيش السوري، وهو القوة الوحيدة في سوريا التي تتصدى للإرهاب»، وهذا الموقف الرسمي السوري لا قيمة ولا وزن له، خصوصاً وأنّ فلاديمير بوتين رَكِبَ مغامرة يعرف توقيت بدئها، ولكنّه لا يملك أبداً معرفة عواقبها ونتائجها!!
نتساءل بعد»نبوءة» وليد المعلّم «العبقري» عن وضع روسيا في سوريا: ماذا لو قرّرت أميركا ومعها أوروبا وضع حدّ لـ»الدبّ الروسي» وإعادة بوتين إلى حجمه الحقيقي فنفّذت كل من بلغاريا واليونان ومعهم تركيا حظراً للطيران الروسي في مجالها الجوّي؟! أليست هذه هي العقبة التي واجهت الجسر الجوّي الروسي في شهر أيلول الماضي لنقل السلاح والعتاد والذخيرة إلى النظام السوري؟ ماذا لو قرّرت أميركا وحليفتها بريطانيا نشر منظومة صواريخ نووية أميركية في أراضيها، وهذا تهديدٌ أطلقته بريطانيا في وجه روسيا في شهر حزيران الماضي على لسان وزير خارجيتها فيليب هاموند الذي صرّح «أن على لندن أن ترسل إلى بوتين «إشارات واضحة» رداً على «مظاهر مقلقة» بعد نشر روسيا صواريخ جديدة في مقاطعة كالينيغراد المطلة على بحر البلطيق..
وهنا لا بُدّ من طرح سؤالٍ يختصر الخاصرة الرّخوة للدخول الروسي «الجوّي» الحرب السوريّة ببنك الأهداف الذي تملكه، في لحظة ما لا بُدّ أن يتوقّف القصف الجوّي الروسي لتحتدم المعركة على الأرض وجهاً لوجه، والميزان العسكري من الصعب أن يكون لصالح ميليشيات الأسد ومعها ميليشيا حزب الله والميليشيات الإيرانية والعراقية، فهؤلاء مجتمعين مضى على قتالهم ما يقارب العامين ولم يستطيعوا تحقيق أي إنجاز لصالح نظام بشّار على أرض الواقع، لذا ما نشاهده هو تماماً السيناريو الذي شاهدناه عام 2006 بعدما دمّر الطيران الإسرائيلي البنى التحتيّة في لبنان وكبّده خسائر فادحة ودمّر الضاحية الجنوبيّة بكلّ رمزيتها لإيران وحزب الله، وبعدها كان ميزان القتل على الأرض هو الفيصل، وحتى لو اعتمد «الدبّ الروسي» سياسة الأرض المحروقة فمن أين سيأتي بقوات بشريّة بإمكانها فرض السيطرة نهائياً عليها؟! ينتظر روسيا في سوريا ما واجهته إيران في العراق، زعزعة الأمن أمر سهل، ولكن السيطرة وفرض الأمن هي المعادلة الصعبة.
وتفتّقت «عبقريّة» وليد المعلّم عن «معادلة ـ مهزلة» اعتبر فيها أنّه «عندما يكون لديك في العمل العسكري تنسيق أرضي وجوي تكون عملياتك مثمرة، أما الولايات المتحدة فهي لا تنسّق معنا ولذلك قامت بـ 9 آلاف غارة جوية على أنها ضدّ داعش، والنتيجة وبعد أكثر من عام أن داعش أصبح أكثر قوة وانتشاراً»!! هذا نظامٌ مريض حتى وهو يحتضر ويلهث محور الممانعة ومعه روسيا لإبقائه على قيد الحياة في دمشق بعدما خسر أكثر من ثلاثة أرباع السيطرة على سوريا، يدّعي أنّ «التنسيق» معه يأتي بـ»الفوز المبين»!!
ستكمل الطائرات الحربيّة الروسية تدمير ما تبقّى من سوريا، ولن تجني من هذا أكثر مما جناه «التحالف الدولي» الذي يقصف مناطق سيطرة «داعش» في العراق منذ أشهر، واكتشف وليد المعلّم أنّها لم تحقّق شيئاً بل زادت نفوذ «داعش» وهذا ما سيحدث في سوريا وروسيا لن تفوز، وبشّار الأسد لن يبقى لا هو ولا نظامه… أمّا «دول الاعتدال العربي» التي تخطئ المرّة تلو الأخرى في تقدير حجم الخطر الذي يتهددها كما يتهدّد المنطقة، إذ ما زال عرب الخليج والشرق الأوسط يحدّقون خائفين، والبعض منهم يظنّ أنّ «كومة» من المليارات قد «تشتري» لهم دولاً تنوب عنهم في إنجاز الحلول المستحيلة!!
الأمر الوحيد «المفرح» في هذا المشهد أنّ حزب الله سيغرق أكثر في الدمّ السوري، وسيستيقظ لبنان وشعبه ذات صباح ليخبر الحزب أنّ «زمن هزائمه» قد بدأ…