IMLebanon

«التدابير الوقائية» وأهميتها في وقف جرائم الإبادة الجماعية

تقول حكومة جنوب افريقيا في الدعوى المقدمة منها ضد اسرائيل لدى محكمة العدل الدولية، أن اسرائيل تنتهك اتفاقية الأمم المتحدة العائدة للعام 1948 بموضوع الإبادة الجماعية من خلال قتل الفلسطينيين في غزة وإلحاق الأذى الجسدي والعقلي الخطير بهم وإخضاعهم لظروف معيشية صعبة جدا بهدف تدميرهم كليا او جزئيا.
تؤمن حكومة جنوب افريقيا بأن محكمة العدل الدولية تتمتع بالسلطة القضائية التي تخولها تقرير وقف الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة خاصة وإنها واسرائيل من الدول الموقعة على اتفاقية الإبادة الجماعية العائدة للعام 1948. ولهذا طالبت المحكمة بإصدار قرار بإلزام اسرائيل اتخاذ «تدابير وقتية وقائية» من خلال سحب قواتها العسكرية من غزة.

وردت عبارة «التدابير الوقائية» على لسان الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة «انطونيو غوتوريتش» خلال نقاش مفتوح في مجلس الأمن الدولي حول «الحرب في المدن وحماية المدنيين في المناطق الحضرية».
شدد غوتوريتش في افادته تلك على ضرورة استخدام كل الأدوات المتاحة واعتماد «تدابير وقائية» محددة لوضع نهاية للأضرار المأساوية الناجمة عن الصراعات العسكرية في المدن لتجنيب حدوثها للمدنيين.
يتابع الأمين العام فيقول إن اكثر من 50 مليون شخص يعانون من النزاعات في المناطق الحضرية وإن 90% هم ضحايا الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة هم من السكان المدنيين. واعطى مثلا عن تضرر عشرات المدارس ومنشآت الرعاية الصحية اثناء القتال بين حركة حماس واسرائيل ما ادى الى بقاء حوالي 800 الف شخص محرومين من الحصول على مياه الشفة.

وشدد اخيرا على ضرورة احترام جميع الأطراف للقانون الإنساني الدولي بشكل كامل، وتطبيق مبدأ المساءلة عن الإنتهاكات الجسيمة وأن تُظهر الدول الأعضاء الإرادة السياسية للتحقيق في جرائم الحرب ومقاضاة مرتكبيها.
من المقرر وفقا لنظام المحكمة أن الأوامر الصادرة عنها بما فيها امر «التدابير الوقائية» ملزمة قانونا وتستمر طوال مدة النظر بالقضية. ولهذا طلبت حكومة جنوب افريقيا من محكمة العدل الدولية ان تستخدم هذا النوع من التدابيرمن اجل تعليق فوري للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
ولكن وللأسف وبالرغم ان الطابع الإلزامي للتدابير الوقائية الا انه لا يتم الإلزام بها دائما. فعلى سبيل المثال لم تستجب موسكو لقرار سحب قواتها من اوكرانيا تنفيذا لقرار اصدرته محكمة العدل الدولية بذلك. وكذا الأمر عندما رفضت اسرائيل في العام 2004 تنفيذ رأي استشاري صادر عن المحكمة يعلن ان بناء اسرائيل للجدار العازل في الضفة الغربية يشكل انتهاكا للقانون الدولي ودعتها الى هدمه. لكن اسرائيل على عادتها تجاهلت هذا القرار.
من المؤكد انه اذا ما قررت محكمة العدل الدولية اتخاذ القرار بالتدابير الوقائية تكون قد اعتبرت اسرائيل مسؤولة بشكل مباشر عن الإبادة الجماعية في غزة وسيكون هذا القرار الأول من نوعه لأنه يدين دولة بارتكاب ابادة جماعية. وسوف يشكل انتصارا للرأي العام الدولي الذي ما يزال يدعم وبقوة دعوى جنوب افريقيا ويشكل فرصة قوية لتجنب سلبيات ممارسة حق الفيتو الذي يؤدي الى الحيلولة دون صدور قرارات حاسمة عن مجلس الأمن ما يؤدي الى استمرار تهديد السلم والأمن الدوليين.
لا نعتقد أن ثمة ما يمنع محكمة العدل الدولية من إصدار قرار بإلزام اسرائيل باتخاذ «تدابير وقائية» أي بسحب قواتها العسكرية من غزة بحيث يكون هذا القرار بديلا عن قرار وقف اطلاق النار الذي عجز مجلس الأمن حتى الآن عن اتخاذه بسبب ممارسة الولايات المتحدة الأمريكية لحق النقض. على ان يستمر مفعول هذه التدابير الى حين التوصل الى قرار بوقف اطلاق النار او هدنة بشكل نهائي ودائم.
فهل ستتمكن محكمة العدل الدولية من اصدار مثل هذا القرار التاريخي؟!

* مدعي عام التمييز سابقاً