IMLebanon

الأبعاد الجيوسياسية والاقتصادية لروسيا في سوريا

لروسيا ثلاثة اهداف يمكن وصفها بالاهداف الاستراتيجية في سوريا، ومن هذه هدفان ينبعان من المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة. فمن الواضح ان الولايات المتحدة تسعى لاسباب مختلفة الى تحجيم روسيا دولياً وتقليص دورها في نطاق امدادات الطاقة عالمياً، وانخفاض اسعار النفط خلال السنة المنصرمة كان الى حد بعيد نتيجة زيادة انتاج الغاز الصخري والبترول الصخري في الولايات المتحدة.

في المقابل، تحاول روسيا التأقلم ولو موقتاً – سنة الى سنتين – مع انخفاض اسعار النفط والغاز – وان يكن الى حد اقل بالنسبة الى الغاز – عن سبيل استعمال الاحتياط النقدي المتوافر لديها، وتوثيق التعاون مع الصين التي انجزت معها روسيا اتفاقاً لتصدير كميات من الغاز مستقبلاً بقيمة 400 مليار دولار، وانجاز اتفاقات اوسع مع ايران لتزويدها الغاز في انتظار الغاء العقوبات على طهران، ومن بعد تكثيف استخراج النفط الصخري في روسيا. والتقديرات الحكومية الاميركية تشير الى ان ثروة روسيا من هذا المصدر، تفوق ما هو متوافر حتى في الولايات المتحدة. وأخيراً يرجح ارتفاع اسعار النفط بعد الانخفاض التدريجي لانتاج الغاز والنفط من صخور الطفال في الولايات المتحدة، الامر الذي بدأت ملامحه تتضح مع انخفاض هذا الانتاج بنسبة 20 في المئة، وانخفاض اسعار سندات الدين لشركات انتاج الغاز الصخري في الولايات المتحدة، بسبب ديونها البالغة 260 مليار دولار، بنسبة 40 في المئة حتى تاريخه. بكلام آخر، اذا كانت هذه الديون متوافرة من مستثمرين اميركيين في المقام الاول، قد تبلغ الخسارة 100 مليار دولار للأميركيين من هذا الانخفاض.

نعود الى أهداف روسيا في سوريا. الهدف الاول الذي لا يمكن وصفه بانه جيوسياسي متعلق بالمواجهة الاميركية – الروسية، يتمثل في مساعدة الحكم السوري على مواجهة تحدي الحركات الاسلامية المتطرفة. فمن المعروف ان غالبية مقاتلي “داعش” من جنسيات غير سورية، وهنالك فريق كبير العدد من الاسلاميين الشيشان المتشددين، ولروسيا كما للولايات المتحدة مصلحة في تقليص عدد هؤلاء، إضافة الى أي اعضاء آخرين في صفوف المتطرفين.

وللتذكير نشير الى ان استاذاً اميركياً للعلوم السياسية له ارتباط بوزارة الخارجية الاميركية وضع مقالة مطولة قبل سنة أكد فيها ان الحرب في سوريا مستمرة لزمن طويل، لان للأميركيين والروس مصلحة في ذلك لأن الهدف المشترك ضبط خطر الجهاديين، وللبلدين مصلحة في ذلك. وبالتأكيد مصلحة روسيا في تقليص عدد المقاتلين الشيشان ملحة وكبيرة.

وبالنسبة الى الهدفين الجيوسياسيين المتعلقين بالمواجهة الدولية بين روسيا والولايات المتحدة. لروسيا قاعدة لقواتها البحرية في طرطوس في سوريا، وهي القاعدة الوحيدة المتوافرة لهار في البحر المتوسط، في حين ان للولايات المتحدة قواعد متعددة وتسهيلات كبيرة في عدد من البلدان المتوسطية.

والوجود الروسي في طرطوس ومحيطها وفر للمنطقة الممتدة بين طرطوس وبانياس وضعاً امنياً متميزاً عن بقية المناطق السورية، وهذه المنطقة باتت تعج بالمسلمين السنة والمسيحيين، الى العلويين. وخلال الأشهر الأخيرة ارتفع عدد الشقق المبيعة من هؤلاء وبعض العلويين المقيمين في طرابلس، كما من عدد ملحوظ من المسيحيين، والشعور السائد لدى المقبلين على الاقامة في هذه المناطق، ان المستقبل سيشهد اقامة دولة علوية يتعايش فيها الجميع، انما بقيادة علوية قد تكون من نصيب الرئيس السوري، مهما أصر على وحدة سوريا. والسؤال هو من أين تتوافر القدرة لهذه المنطقة ان تصير اقتصادياً مكتفية وربما مزدهرة، وهنا يظهر الهدف الاستراتيجي الجيوسياسي الثاني لروسيا في سوريا.

يوم عيد الميلاد عام 2013 وقعت شركة سيوز نفط غاز الروسية الحكومية التي يديرها وزير سابق للطاقة في روسيا عقداً للتنقيب عن النفط والغاز في الامتداد البحري بين بانياس وطرطوس لمدة 25 سنة. ومعلوم ان المصافي الحديثة في سوريا هي في بانياس – اضافة الى مصفاة في حمص – وهذه المدينة يدور حولها وفيها النزاع بين القوات الاسلامية والقوات الحكومية.

الروس مقتنعون بان ثروات النفط والغاز في مجال استثمارهم كبيرة. فالدراسات الجيولوجية الاميركية التي أوضحت الامكانات المتوقعة للغاز والنفط تؤكد وجود كميات كبيرة في هذه المنطقة.

في المقابل، احتياطات النفط والغاز المكتشفة والمطورة في سوريا موجودة في منطقة دير الزور، والمنطقة الكردية، والاسلاميون يسيطرون على دير الزور وحقول النفط والغاز فيها. والاكراد لهم السيطرة في مناطقهم، وهم بالفعل أوجدوا أسس حكومة محلية منذ وقت ليس بقصير، وقد وجدوا في نجاحهم في صد قوات “داعش” و”النصرة” في كوباني ثقة في قدرتهم على حماية مناطقهم والتمتع بمواردها.

وجدير بالذكر ان الموارد النفطية والغازية في منطقة دير الزور والمناطق الكردية مرشحة للنضوب بعد بضع سنوات، الأمر الذي يعني ان موارد المناطق البحرية ستكتسب أهمية كبرى في المستقبل.

اضافة الى كل ذلك، وضع الاميركيون دراسات في إشراف وزارة الخارجية خلال تولي هيلاري كلينتون مسؤوليتها توصي بان يكون استغلال هذه الثروة في أيدي شركات اميركية واخصها الشركة التي اكتشفت حقول الغاز في اسرائيل، والتي يمثلها في علاقاتها بالدوائر الاميركية، الرئيس الاميركي سابقاً بيل كلينتون.

وتفيد دراسات الاميركيين ان تطوير موارد شرق البحر المتوسط يجب ان يكون تحت سيطرتهم وان يؤدي الى تصدير الغاز الى تركيا ومن ثم الى الاسواق الاوروبية، فتكون النتيجة تقليص دور روسيا في مجال تزويد تركيا الغاز، الذي هو على مستوى 70 في المئة من الحاجات التركية حالياً.

ان كل هذه التوقعات والتوصيات معروفة لدى الروس وهم يهدفون من انجاز اتفاق البحث والتنقيب في المياه السورية قبالة بانياس وطرطوس الى احباط التوقعات الاميركية، وتوفير موارد تجعل هذه المنطقة مقاطعة مزدهرة.

وربما زاد من ازدهار المنطقة في حال نجاح البحث والتنقيب عن الغاز والنفط وانتاجهما ان المنطقة البرية المحيطة ببانياس وطرطوس هي من أجمل المناطق في سوريا وجبالها التي تغطيها اشجار الصنوبر كانت تستقطب المصطافين العرب بعشرات الالاف، وفي حال استتباب الامن في المنطقة وتعزيز الحكم العلوي قد تتحقق الكفاية الاقتصادية لحكم منطقة مستقلة عن بقية المناطق السورية، ويصير واقع تقسيم سوريا الذي هو الوضع القائم بمثابة الوضع الدائم في المستقبل المنظور.