IMLebanon

حسابات جيوسياسية في جحيم على الأرض

 

الوقائع سابقت التوقعات حول معركة حاسمة في الغوطة الشرقية لدمشق. وهي منطقة محاصرة منذ العام ٢٠١٣ أضيفت بمساع مصرية الى مناطق خفض التصعيد التي أعلنتها روسيا وتركيا وايران كدول ضامنة. وحين تحدث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن حلب ثانية في الغوطة الشرقية، فان الانطباع العام لدى الذين يتابعون تجربة روسيا السورية هو التقرير والتبرير، لا التحذير. والمقروء في الرسالة أمران: أولهما ان استعادة السيطرة على الغوطة قرار جيوسياسي له ما بعده كما كانت استعادة السيطرة على حلب قرارا استراتيجيا أحدث تغييرا مهمّا في معادلات حرب سوريا. وثانيهما البحث في صفقة سياسية تسهّل معركة الغوطة كما فعلت الصفقة السياسية مع تركيا في تسهيل معركة حلب.

لكن السؤال هو: الى أي حدّ تستطيع موسكو الذاهبة الى انتخابات رئاسية بعد أسابيع ان تتحمّل المسؤولية عن جحيم على الأرض على حدّ تعبير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس؟ والى أية درجة يمكن الاستخفاف بصراخ الأطفال والأهالي الذين ينتظرون الموت، وادارة الظهر الى دول المنطقة والعالم ومنظمات حقوق الانسان المطالبة بوقف ما تسميه وتراه إبادة وحشيّة؟

 

موسكو تلعبها مزدوجة كالعادة: تقصف وتتحدث عن هدنة انسانية. تواجه كل الاتهامات الموجهة اليها حول قصف المستشفيات والمدارس وحتى الوقائع المصورة للانتهاكات بالنفي والقول هذا كله هراء، وتمارس مرونة تاكتيكية حيال ضغوط المسؤولين الكبار في العالم. تعطي ضوءا أخضر لهجوم القوات التركية على منطقة عفرين، وتسهّل لدمشق ارسال قوات شعبية لدعم الكرد. تعتمد على قوات مرتزقة من المواطنين الروس، وتنكر علاقتها بهم بعد غارة أميركية قتلت وجرحت المئات منهم. تتكل على ايران وحلفائها في المعارك البرّية وتسمح لاسرائيل بقصف قواعد ايرانية، ولدمشق باسقاط طائرة اسرائيلية. وكل شيء تحت عنوان البحث عن تسوية سياسية.

أما النظام الذي يخوض معركة الغوطة ضد مسلحين بعضهم ارهابي وبعضهم الآخر سلفي من أبناء المنطقة، كان الأولوية عنده هي للاعتبارات الجيوسياسية. والمهم ان يستعيد السيطرة على الغوطة بعد حمص وحلب وسواها، ولو صار البلد أشبه بمقبرة. ألم يقل الرئيس بشار الأسد مرة ان سوريا خسرت خيرة شبابها وتضررت بنيتها التحتية، لكنها بالمقابل كسبت مجتمعا صحيا متجانسا؟ كيف؟ التفسير غامض. لكن الواضح ان المصاعب والعقبات أمام اعادة اعمار ما تهدّم من العمران تبدو أقلّ بكثير من المصاعب والعقبات أمام اصلاح التخريب في النسيج الوطني الاجتماعي.