IMLebanon

صراع جيوسياسي ودول دينية – أمنية

خطاب اللاعبين في الشرق الأوسط يركز، بطبائع الأمور، على أهداف استراتيجية. والكل يضع ما يقوم به في خانة العمل التاريخي لبناء المستقبل، سواء كان يمارس الارهاب أو يحارب الارهاب. لا أحد يتحدث عما هو أقل من موت نظام قديم في الشرق الأوسط وبداية هندسة لشرق أوسط جديد. ولا شيء يوحي ان أحداً يعرف تماماً صورة النظام الاقليمي قيد التبلور في المرحلة الحالية من الفوضى.

ذلك ان الطاغي على خطاب القوى المختلفة هو ان حرب اليمن بعد حرب سوريا وحرب العراق وحرب ليبيا والعمليات الارهابية في مصر هي معارك في حرب أكبر: صراع جيوسياسي على مستقبل المنطقة والأدوار والنفوذ فيها. والبعض ينظر الى الشغور الرئاسي في لبنان من زاوية الصراع الجيوسياسي، وليس فقط الى الانقسام حول حرب سوريا والمشاركة فيها، والانقسام حول حرب اليمن بين من يهاجم السعودية ويدافع عن ايران وأنصار الله الحوثيين وبين من يدافع عن السعودية ويهاجم ايران.

لكن رؤية المشهد بكل أبعاده تطرح سؤالاً يصعب الهرب منه: ما هو الوجه الآخر للصراع الجيوسياسي؟ والجواب على الأرض: الطابع المذهبي للمواقف في الصراع ومنه.

ولا مجال لاخفاء هذا الطابع برغم حرص الأطراف على النفي والإنكار: لا في الاطار السني – الشيعي. ولا في اطار الاعتدال والتطرف داخل السنّة وما يفعله تنظيم داعش بالسنّة وطبعاً بالأقليات في العراق وسوريا والجرائم الوحشية التي يرتكبها حتى ضد مسيحيين من الحبشة التي حمت اللاجئين اليها من المسلمين الهاربين من بطش القبائل الوثنية في بداية الدعوة.

ثم ما هو محتوى النظام الاقليمي الذي يدور الصراع الجيوسياسي بطابعه المذهبي لترتيب النفوذ والأدوار فيه؟ أليس ما كان حلماً وشعاراً ردده المتظاهرون والمعتصمون في بدايات الربيع العربي عن الدولة المدنية الديمقراطية هو اليوم أفظع كابوس؟ وما الذي ينتهي اليه الصراع المتشابك مع دول أمنية تزداد شراسة كلما ضعفت، وبين دول دينية هي في الوقت نفسه دول دينية – امنية، ومع تنظيمات دينية تعلن بالسيف دولة الخلافة؟

الجواب مخيف، بصرف النظر عمن يربح معركة أو حرباً، مع انه لا أحد يربح أو يخسر كل شيء. فنحن في الاتجاه المعاكس لحركة التاريخ في التطور. لا بل اننا أسرى قوى تعيدنا الى ما قبل التاريخ، وهي تستخدم أحدث ما ينتجه العصر باستثناء الأفكار العصرية.

في بدايات القرن العشرين اتخذ الصراع طابعاً قومياً تحررياًَ من السلطنة العثمانية ثم من الاستعمار الاوروبي في منتصف القرن. وفي بدايات القرن الحادي والعشرين صار طابع الصراع دينياً ومذهبياً. ويحدثونك عن الانتصارات الاستراتيجية.