في زيارته إلى لبنان، حاضر وزير خارجية فرنسا جان مارك ايرولت في أهمية احترام الدستور وحقوق الإنسان، مع تشديده على «ريادة» فرنسا في هذا المجال. ذلك كله من دون أن يجرؤ أحد من المسؤولين اللبنانيين على سؤاله عن حال المناضل اللبناني الأسير جورج ابراهيم عبدالله.
جورج، شيخ سجناء الرأي في فرنسا، أسقط القناع عن وجه الحكومة الفرنسية، وكشف خضوعها لإملاءات أميركا واسرائيل. اعتقل في العام 1984 في مدينة «ليون» الفرنسية، وحوكم مرتين، وصدر بحقه حكم بالسجن المؤبد، لكنه لم يستند إلى أدلة جرميّة ثابتة.
في العام 2013، أصدر القضاء الفرنسي حكماً بالإفراج عنه مع اشتراط ترحيله عن الأراضي الفرنسية، إلا أن اعتراض وزارتي العدل والداخلية في فرنسا بإيعاز أميركي – إسرائيلي أدى إلى منع تطبيق القرار.
وبعد مرور 32 عاماً على اعتقاله، وبرغم الإجراءات القانونية المتبعة في فرنسا التي تنص على إطلاق سراح المحكومين بالسجن المؤبد بعد قضائهم 18 عاماً في السجن، لا تزال الحكومة الفرنسية تُصرّ على احتجاز جورج وهدر سني حياته خلف القضبان.
جورج الذي يطفئ شمعته الـ65 في الزنزانة، غائب وحاضر في آن. قد تكون من ميزات المناضل الشغوف أنه لا يملّ من التفاصيل. يسأل عن كلّ شاردة وواردة في السياسة والاقتصاد والعلوم والأدب والفن. يسأل عن الحياة والموت وما بينهما من حب وفرح وحزن وآمال.
في اتصالاته المتكررة مع أفراد عائلته وأصدقائه والرفاق، يفتش جورج عن الابتسامات المختبئة خلف أحلامهم ونجاحاتهم الكثيرة. يفصل بين القضية وبين حياتهم الطبيعية التي يريدها لهم سعيدة هانئة، فلا يبحث عن تحركات لدعمه ولا اعتصامات للتذكير باسمه، بحسب ما يروي شقيقه روبير عبدالله لـ «السفير».
لا يعرف جورج مفردة اسمها النسيان. لا تزال أسماء من أحبهم وتفاصيل وجوههم وألوان بشرتهم وعيونهم وشعرهم تسكن خياله كما غادرها، ولطالما سأل عن أشخاص لم يعلم بحالهم منذ ثلاثة عقود، وقد يكون الموت غيّبهم.. وحده خبر وفاة والدته في العام 2005 هزّه حتى الأعماق. اختنق صوته في أسلاك الهاتف، وشعر للمرة الأولى أنه في زنزانة بعيدة جدا.
صورة جورج في أذهان أفراد العائلة لم تتبدل منذ 32 عاما. هو الرجل القائد الذي يمدهم بالمعنويات برغم سجنه. لا غرابة في ذلك، فجورج اعتبر نفسه دوماً جزءاً لا يتجزأ من الحركة الأسيرة في فلسطين المُحتلة، وليس في السجون الفرنسية وحدها. وقد تجلى ذلك من خلال رفع المعتصمين أمام منزل السفير الفرنسي إيمانويل بون، مساء أمس، صوراً لأسرى فلسطينيين ولبنانيين في السجون الإسرائيلية.
وتزامناً مع الاحتفال السنوي الذي تقيمه السفارة الفرنسية في «قصر الصنوبر»، لمناسبة ذكرى الثورة الفرنسية التي أرست مفاهيم «الحرية والإخاء والمساواة»، اعتصم ناشطون في حملة «الحرية لجورج عبدالله» و «الحزب الشيوعي اللبناني» للمطالبة بإطلاق سراحه إنفاذاً لشعارات الثورة المحتفى بها.
أصوات المفرقعات النارية تعلو في حدائق قصر الصنوبر، وفي المقابل، تهتف حناجر المعتصمين «طالعلك يا فرنسا طالع.. من كلّ بيت وحارة وشارع». تلك الهتافات، لم تُسكتها قبضات الطوق الأمني التي اشتدت حول المداخل المؤدية إلى بيت السفير الفرنسي، إذ حاولت القوى الأمنية منع المعتصمين من الاقتراب من البوابة الرئيسية، فوقع على الاثر تلاسن فتضارب أوقف على اثره سبعة من رفاق جورج، ثم أُطلق سراحهم.
وألقيت كلمات لكل من الأمين العام لـ «الحزب الشيوعي اللبناني» حنا غريب، مروان عبد العال باسم الثورة الفلسطينية، سماح ادريس، وعائلة جورج عبدالله.
وأخذت الكلمات على الحكومة اللبنانية تقصيرها غير المبرر في هذا الموضوع، «إذ إن اللجنة الرسمية التي تشكلت في العام 2013 لمتابعة هذه القضية تخلت عن مسؤولياتها منذ ذلك الحين، ولم تبادر إلى الاجتماع أو القيام بأي عمل لتحقيق العدالة لجورج ابراهيم عبدالله»، على حد تعبير غريب.
بون: على ماذا سيحصل منتخبو عون؟
لم تؤثّر أصوات المتضامنين مع المناضل الأسير جورج عبد الله على قصر الصنوبر. فالشخصيات المتوافدة إليه، مساء أمس، احتفلت مع السفير الفرنسي ايمانويل بون بالعيد الوطني الفرنسي. وفي كلمة له، أكّد بون أنّه «عندما تلتزم فرنسا من أجل لبنان، إنّما تقوم بذلك من أجل لبنان وحده، من دون أي أفكار خلفية»، مشدّداً على أنّ هدف بلده الوحيد «هو أن تكون مفيدة لهذا البلد»!
وفي مقابلة مع الزميل مارسيل غانم في برنامج «كلام الناس»، قال بون: «عندما أطلق الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجيّة سوياً مبادرة رئاسية نحن شجعنا هذه المحادثات»، مضيفاً: «نحن نعلم بوجود خيارات أخرى واحتمال التسوية بشأن ميشال عون قائم ولكن من الضروري أن يعرف من سيصوّت له ما سيحصل عليه».