الاستعلاء الذي تحدث به النائب حكمت ديب قبل يومين على إحدى القنوات عن جورج تَشاجيان وزياد عبس مقيت ومهين. لم يكن تاريخ التيار في المدارس والجامعات ليكون هو نفسه تاريخ التيار اليوم لولا تَشاجيان وعبس ومن يشبههما، وما كان ديب نفسه ليكون «علناً حكمت ديب» لولا اختراق تَشاجيان ورفاقه مراكز الاقتراع في الضاحية وعاليه عام 2002 لتأمين حد أدنى من الحضور لديب في مواجهة النائب هنري حلو. قلة الوفاء مرض يصيب الجميع.
تَشاجيان، كان يفترض بديب أن يقول، قامة عونية رفعت اسم التيار في المعاهد والمدارس والجامعات، ما كان ينام دون القيام باللازم لإحياء ذكر شهدائنا في نهر الموت وعين الرمانة والأشرفية والحدث وبسوس وعمشيت وعكار العتيقة، بذل الغالي والنفيس من أجل التيار ويجب استيعابه لا استبعاده. اختار تشاجيان حمل صورة العماد ميشال عون والركض 24 ساعة في اليوم بدل الركض أمام سيارات الأمراء الخليجيين لفتح الأبواب لهم، أو الوقوف في صالونات ضباط الاستخبارات السوريين. اختار تشاجيان ورفاقه ميشال عون بدل عائلاتهم وطوائفهم وأحزابهم، وهنا المشكلة. وما يحصل واضح لكل الناشطين الذين بلغتهم الرسالة بأن ما من قانون حزبي يعول عليه أو محكمة عادلة أو تاريخ شخصي أو غيره. الحال هنا كالحال في جميع الأحزاب الأخرى، إما الاستزلام لرئيس الحزب وحاشيته، أو لا مكان لك في الحزب. ولا حاجة في الحزب لناشطين ومتطوعين ومتحمسين وغيره، يمكن بضعة رجال أعمال أن يؤمنوا المال اللازم لإحدى الشركات حتى تؤمن عبر موظفيها العدة الحزبية الكاملة. ضعوا النضال والتطوع والحماسة جانباً؛ المال هو الحل. رجال الأعمال المحيطون بباسيل يظنون أنفسهم في الخليج أو أفريقيا.
قبل المحكمة الباسيلية، حاول كثيرون عبثاً تجميد نشاط منسق بيروت في التيار الوطني الحر جورج تشاجيان: أمه ووالده وعمته الذين بكوا حوله في أحد الأيام راجين نسيانه عون. خوري رعيته ومن قالوا إنهم يعرفون مصلحته في حزب الطاشناق. ضباط الاستخبارات وأزلام رئيس بلدية الزلقا حيث يعيش. الأحكام القضائية التي ألزمته التوقيع على تعهد بتوقيف نشاطه الحزبي. وأخيراً أرباب العمل في الشركات التي عمل فيها. في إحدى المراحل كانت شريكته في النضال زوجته نانسي عون ترجوه أن ينشغل قليلاً بأسرته وأبنائه عن متاعب التيار وأنشطته. لكنه لم يجمد نشاطه؛ حين يكون التيار في عكار يكون جورج هناك، وحين يكون النشاط في القبة في طرابلس يكون أول الواصلين. وفي زغرتا والكورة والبترون وجبيل وكسروان وزحلة وجزين وطبعاً المتن وبيروت. تذهب إلى عين الرمانة، بسوس، كفرمتى (…) تجده. باختصار، حيث يكون التيار يكون «الأرمنيّ». والمقصود التيار بناشطيه طبعاً، لا نوابه ووزرائه ووجهائه. فهو لا يملك ما يخوله الذهاب حيث يذهب هؤلاء. هو يعرف «الأرض» و»الأرض» تعرفه؛ تعلم أنه لم يقل يوماً إن من حقه أن يكون مديراً عاماً مثلاً أو نائباً أو وزيراً، ولو لم يأت من يقنعه بأن ترشحه إلى منسقية بيروت هو حلّ لما كان ترشح. «الأرض» تعرفه ولا أحد يمكنه «استهبال» العونيين بتلفيق أكاذيب على تشاجيان مماثلة لما سبق تأليفه عن غيره والقول إنه خالف القرارات أو سرق أموالاً أو أعماه طموحه أو تحدث عن الجنرال بالسوء. «الأرمني» لا يرشق بوردة. حتى المحكمة الحزبية ــ فليعلم من بقي في التيار ــ لم تحاكمه: خلال أحداث 7 آب 2001 عقدت أربع جلسات في المحكمة العسكرية، ثلاثة منها علنية، لمحاكمة الشباب (العونيين وغيرهم) والاستماع إلى دفوعهم. أما المحكمة الباسيلية فاستدعت تشاجيان، أعلمته بما تنوي محاكمته بشأنه، وغابت نحو شهر لم تستمع في خلاله إلى دفوعه أو تلتقيه مرة ثانية، وفجأة أعلمته بقرارها عزله من منصبه منسقاً لهيئة بيروت. الحكم على زياد عبس يمكن فهمه في سياق سير رئيس التيار جبران باسيل على درب من سبقوه في رئاسة الأحزاب الأخرى الذين يتهيبون وجود قيادي قوي وناجح واحد في حزبهم يمكن أن يناوئهم مستقبلاً، لكن ما لا يمكن فهمه هو انقلاب باسيل على كل العملية الديمقراطية التي تحكم هو بنظامها الداخلي وكل ضوابطها وخطوطها الحمراء. فبدل احترام ترشح تشاجيان وفوزه، قرر باسيل طرده من الحزب. وهو عار سيلاحق نائب رئيس الحزب نقولا الصحناوي أكثر من باسيل، في ظل وضع كثيرين ما يحصل في خانة انتقام الصحناوي لخسارته الانتخابات الحزبية في دائرته. علماً أن عزل عبس له تداعياته على صورة التيار في الخارج، أما المبالغة على هذا النحو في قلة الوفاء تجاه تشاجيان، فلها تداعياتها الكبيرة داخل التيار. ولا شكّ في أن حفلة التضامن مع تشاجيان والتكريم بحكم نضاله ربع قرن في صفوف التيار التي بدأ التحضير لها ستوصل إلى باسيل رسالة واضحة بأن العونيين الذين أُبعِدوا في السابق لم يُخرجوا أحداً معهم، أما المسّ بحجارة الزاوية في البناء العوني فستكون له تداعيات كبيرة.