جورج بشير، مونت كارلو، هذه الجملة كنتُ وعشرات آلاف اللبنانيين ننتظر بفارغ الصبر سماعها عبر الترانزستور في الملاجئ لمعرفة آخر المستجدات، فيما كانت القذائف تنهمر كالمطر على مناطقنا ومنازلنا وأهالينا.
في العام 1982 إنضممتُ الى وكالة الأنباء المركزية في مرحلة تأسيسها، فتعرّفت الى الأستاذ جورج بشير، الصحافي المتألّق، والوطني والإنساني بلا حدود. وعُدنا اجتمعنا في مجلس نقابة الصحافة، فكان أمين الصندوق الأمين، الذي نجح في تأمين مليون دولار من المرحوم جورج نجار، ليس فقط لتدعيم مبنى النقابة الذي كان مهدداً بالانهيار، وانما لإضافة طبقتين جديدتين الى المبنى.
جورج بشير، رمز إعلامي لبناني وعربي كبير، كانت الإنجازات ترافقه في كل خطوة، من الأوريان الى الحوادث فراديو مونت كارلو ثم المركزية، مروراً بعدة تلفزيونات وصحف ومجلات، وكانت «الجمهورية» منبره لنشر بعضٍ من كنوز معلوماته واتصالاته وذكرياته.
عاش أميراً مع الملوك والأمراء والرؤساء، وهو مدرسة في الإعلام والعلاقات العامة، ولم تشغله نجاحاته عن الفقراء والمحتاجين، فأسّس المركز الطبي الخَيري في كسروان، وراح يساعد الناس بهمّة وفرح. وفي كل خطوة، كان الأخ المحبّ الذي يبادر الى تقديم أي خدمة بلا تردد.
كان يتصل بي يومياً، وكنت معجباً بحماسته ونشاطه وخفة ظله وتواضعه. بادَلني المحبة بمحبة أكبر، والاحترام باحترام أكبر، لكنه لم يبادلني، للأسف، القلق على صحته وضرورة الاحتراز من كورونا الغادر.
قبل ساعات من رحيله، إتصل بي وقال: أعجبتني مقالتك اليَوم، وأنا أتصل بك لأهنئك. وأضاف: أكَلتا يا أبو جريج. لقطت كورونا. وتمكّن منه السعال…
أستاذ جورج، لماذا تركتنا باكراً؟
كيف تركت لبنانك وكسروانك ونقابتك وبييرو ونادر والناس التي كانت تدعو لك بالخير لتطبيبها ومساعدتها؟!
خسارة وطنية وإعلامية وإنسانية، رحيلك أخي جورج، ولا أجد كلاماً يَفيك حقك في هذه الدنيا الفانية.
جورج بشير، شكراً.