IMLebanon

أتذكّر اليوم بمرارة وأسى

 

“أطلق حاوي من منزل كمال جنبلاط “جبهة المقاومة الوطنية”

أتذكّر اليوم رفيق العمر والدرب جورج حاوي بمسيرته الغنيّة، وأتذكّره بمرارة وأسى وحزن، بعد خمسة عشر عاماً على استشهاده اغتيالاً. وإذ أتذكّره، فإنني أتذكّر معه رفيقنا الكبير القائد الشيوعي التاريخي فرج الله الحلو، الذي استُشهد تحت التعذيب في السجون السورية، في ظلّ الجمهورية العربية المتّحدة في العام الثاني لتأسيسها بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر. وقد ذُوّب جسده بالأسيد، وأُلقِي في مجارير دمشق، إخفاءً للجريمة يا للعار! حصل ذلك في شهر حزيران من العام 1959.

 

غير أن ما يهمّني وأنا أتذكّر جورج، أن أستحضر أربع محطات كان له فيها موقع أساسي في حياته وحياتي وحياة الحزب “الشيوعي اللبناني”. وكان جورج يتطوّر بسرعة استثنائية، وصولاً الى انتخابه في العام 1966عضواً في المكتب السياسي وعضواً في سكريتاريا اللجنة المركزية، شريكاً لي في هذين الموقعين من الجيل الجديد.

 

المحطّة الأولى كانت في العام 1966، عندما أطلقنا معاً ثورة التغيير في حياة حزبنا الشيوعي، على قاعدة التجديد والتمايز في الفكر عن الحزب السوفياتي وسياساته وضدّ تدخّلاته الفظّة في شؤون حزبنا. استمرّت الثورة عاماً كاملاً دفع فيها جورج بالنيابة عنّا نحن رفاقه في الثورة، الثمن الباهظ لدوره المُميّز فيها، بتوجيه التُهمة إليه من قبل القيادة السوفياتية بالعلاقة مع المخابرات الأميركية. فقرّر مُغادرة البلاد، وطلب من الرفاق الاستمرار في الثورة وترك قضيته الى وقتٍ لاحق. وعندما حقّقنا انتصارنا في الثورة ضدّ بعض أعضاء الحرس القديم، المدعومين بتدخّل فظّ من قبل المخابرات السوفياتية، عقدنا المؤتمر الثاني للحزب في صيف العام 1968، اتّخذنا فيه قرارات تاريخية في التجديد والتغيير في فكر وسياسة الحزب وفي طرائق عمله. وأخبرنا القيادة السوفياتية بقرارات المؤتمر وبإعادة الإعتبار الى جورج، فلم يعترضوا. واستمر جورج في التطوّر من موقع قيادي الى آخر، الى أن انتُخب أميناً عاماً للحزب في المؤتمر الرابع في العام 1979، وجُدّد له في المؤتمرين الخامس العام 1987 والسادس في العام 1992.

 

المحطّة الثانية كانت في العام 1982، عندما أطلق جورج من منزل القائد الشهيد كمال جنبلاط، مع محسن ابراهيم “جبهة المقاومة الوطنية” ضدّ الغزو الإسرائيلي للبنان في ذلك العام. وكان جورج قد بادر قبل ذلك الى تأسيس التنظيم الحزبي للمقاومة، استكمالاً للحرس الشعبي الذي كان لي شرف المساهمة في إعداده، في اجتماع ضمّ مسؤولي منظّمات الحزب في الجنوب، عُقد في بلدة عيترون الحدودية في شهر كانون الأول من العام 1969. وتابع الشيوعيون باسم وطنيتهم وتحت قيادة جورج، عمليات المقاومة على امتداد المرحلة المُمتدّة من الستّينات الى التسعينات، أولاً بالتعاون مع المنظّمات الفلسطينية، ثم بالاستقلال الكامل عنها. وكانت للشيوعيين بطولات وشهداء وإنجازات غير مسبوقة يُسجّلها التاريخ لهم بفخرٍ واعتزاز. وكان أهمّ من تلك الانجازات تحرير مختلف المناطق من الوجود الإسرائيلي الى الشريط الحدودي.

 

المحطّة الثالثة كانت في العام 1992، عندما أنجزنا جورج بطل وأنا بتكليف من جورج حاوي، برنامجاً جديداً للحزب تبنّاه جورج وقُدم الى المؤتمر السادس وأُقرّ مع بعض التعديلات. وهو برنامج يتضمّن مُراجعة نقدية للحرب الأهلية بعامة، ولدور الحزب فيها بخاصة. وقدّمنا في الآن ذاته برنامجاً مُتكاملاً من التجديد في الفكر والسياسة، مُتجاوزين النتائج الكارثية التي ترتّبت على انهيار التجربة الاشتراكية.

 

المحطّة الرابعة كانت في العام 2005، في العشاء الأخير معه، قدّم فيه تصوره للمرحلة المقبلة التي كانت ستلي خروج القوات السورية من لبنان، بعد ثورة الإستقلال في الرابع عشر من آذار من ذلك العام. وهو البرنامج الذي كان قد عرضه جورج في أكثر من مقابلة تلفزيونية، مقروناً بمواقف جريئة في كلّ الاتّجاهات. وقد تمّ اغتياله في اليوم التالي لذلك العشاء الأخير على يد المخابرات السورية كما شاع يومها، بانتظار ما تُقرّره المحكمة الدولية الخاصة بجرائم الإغتيالات التي طاولت مجموعة من الرموز الوطنية، كانت البداية فيها جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

 

جورج حاوي في مسيرته الطويلة الغنيّة يُشكّل رمزاً من الرموز الوطنية، من أمثال القائد الشهيد كمال جنبلاط الذي كان قد اغتيل في العام 1977 على يد المخابرات السورية كما صار معروفاً وشائعاً. وكان جورج مع محسن ابراهيم، الأقرب إلى كمال جنبلاط في قيادة الحركة الوطنية حتى استشهاده. سيبقى جورج حاوي حياً في وجداننا نحن رفاقه الشيوعيين، وحياً في وجدان الوطن.