IMLebanon

جورج ميكيافيللي وفصل السياسة عن الأخلاق

 

 

 

في السبعينات، كان جورج قرداحي مذيعاً في إذاعة مونتي كارلو، مقيماً في باريس، شاءت الصدف ان يكون جورج قرداحي واحداً من مجموعة من المحامين والصحفيين والمُفكّرين الذين يلتقون كل يوم خميس من الأسبوع مع العميد ريمون اده ويتحدّثون عن الوصاية السورية ويلعنونها ويؤيدون العميد ووطنيته. وكانوا كلهم من الوطنيين السياديين المعارضين للوصاية السورية على خطى العميد ريمون اده. ومع الأيام صار القرداحي المذيع في الإذاعة مذيعاً في التلفزيون، وفتح التلفزيون أمامه أبواب الوسامة!!! والوسيم في مجتمعنا العربي له جاذبية تبدأ نسائية ثم تتحول الى الأعمال، لأنها تفتح باب الأعمال في مجتمعات سقطت عندها الأخلاق!

 

وتحول المذيع المقاتل في الخط الوطني لريمون اده، الى الملاهي ثم الى الأعمال، ووضع كل اضوائه في الخليج وصار فناناً وسيماً سياسياً خليجياً يناصر سياسة الخليج في الزاوية الصغيرة التي لفنان الملاهي الوسيم مكان في هذه الزاوية السياسية الصغيرة!

 

الى أن اندلعت الثورة السورية، فإذا جورج قرداحي يعود فجأة الى القرداحة، مؤيداً مناصراً البعث وآل الأسد والمخابرات العلوية تاركاً السياسة الخليجية، منتقلاً من رفقة ريمون اده الى رفقة بشير الجميل الى رفقة بشار الأسد. وفي حافلة بشار الأسد وجد مكاناً له على كرسي لحزب الله، وصارت الصورة العجيبة الغريبة ان المذيع الذي تحول الى نجم وسيم في الخليج قد تحول الآن الى سياسي يُدلي بتصريحات ضد الخليج وضد السعودية! وصارت الإذاعات تتهافت على تسجيل تصريحاته لاسيما تلك التي تهاجم الخليج وتؤيد بشار الأسد وحزب الله، ثم ذهب النجم الوسيم للقول انه لولا بشار الأسد لكان المسيحيون في لبنان قد تعرضوا للإبادة على يد الداعشيين، ولا يقول ان الأسد هو الذي أخرج الداعشيين من سجونه ليخيف بهم الغرب ويصوِّر نفسه مقاوماً للبربرية التي تدّعي الإسلام والمسلمين! وصعد القرداحي الى البوسطة، بوسطة مطابقة لبوسطة عين الرمانة، وهي من صنع وانتاج حزب الله! وكانت من انتاج المنظمات الفلسطينية!! وهذه البوسطات ليست لنقل الركاب، فهي تنقل ركابها الى الحروب الأهلية والى الوزارات ايضاً. وخرج المشهد المضحك بالقرداحي راكباً بوسطة عين الرمانة، ناقلةً المذيع الوسيم من ريمون اده الى بشير الجميل الى الفن الغنائي النسائي الوسيم الى دول الخليج وسياستها فإلى بشار الأسد وحربه التي قتل فيها مليون سوري وصارت ثلث الأراضي السورية تحت السيطرة الإيرانية الفارسية وثلثها الثاني تحت السيطرة الإيرانية لحزب الله وثلثها الثالث خليط نصفه من العلويين ونصفه من الأكراد، وكل سوريا تحت سيطرة المدافع الإسرائيلية، وسماء سوريا ملك لحماية الطيران الروسي إلا ما يتفق منه الروس مع الإسرائيليين.

 

وما بقي من بشار الأسد ولبشار الأسد ولا حتى عمران وحجر واقف! بل سوريا مُجزأة مُحطّمة منهارة شهدت وما تزال المذابح، كل هذا يدافع عن المسيحيين اللبنانيين ويحميهم من الإبادة! كما تقول بوسطة عين الرمانة.

 

وارتاح المذيع الوسيم جورج قرداحي في كرسيّه في بوسطة عين الرمانة التي أدخلته من مذيع وانتهت به وزيراً!! ثم الى وزير يستقيل او لا يستقيل ويقيم الدنيا ولا يقعدها، كل ذلك دفاعاً عن بلده وصيانةً لاستقلال بلده لبنان!!

 

وحكاية جورج قرداحي الوسيم، والذي انتقل من مفاهيم ريمون اده الى مدرسة بشير الجميل الى بوسطة عين الرمانة حيث رفع اعلام بشار الأسد وحزب الله، هذه الحكاية سبق ان رواها ميكيافيللي في كتابه «الأمير»، فكتاب ميكيافيللي هو درس في فصل السياسة عن الأخلاق، وفيه شرح لنظرية:«إن الغاية تبرر الوسيلة»، هذه الروح التي تمجد القوة والتحايل ولا ترتبط بالمبادئ والأخلاق وتزدري الضعف، هي دين الفطرة الجديد الذي استشرى في اوروبا في عصر النهضة الأوروبية وهو يمثل الفصل بين السياسة والأخلاق، بل بين السياسة والدين. يتساءل ميكيافيللي:أيهما افضل، ان تكون محبوباً اكثر من ان تكون مرهوباً؟ يجيب ميكيافيللي، نظراً لصعوبة التوفيق بين هذا وذاك، فإنه ادعى للأمان بمراحل إن كان لا مناص من الاختيار ان تكون مرهوباً من ان تكون محبوباً!

 

فستالين وفرنكو وهتلر وموسوليني وامثالهم كانوا حكاماً مرهوبين، فدمروا بلادهم، بينما استطاع غاندي ونلسون منديلا وكندي وديغول ان يكونوا حكاماً محبوبين فحرروا بلادهم ورفعوها الى اكبر مناص.

 

فبين فؤاد شهاب وميشال عون فارق كبير من محبة الناس للأول وكراهيتهم للثاني! فالحاكم العادل، كما يقول ميكيافيللي، يجب ان يكون رحيماً، اهلاً للثقة، عطوفاً، خالياً من الرذائل، متديناً، هذا الحاكم ينشر العدل والأمان في بلاده والحاكم السيىء هو الذي ينشر الفساد والحقد والإنقسام في بلاده!

 

فالحاكم الذي قاد لبنان الى بوسطة عين الرمانة قتل في عهده مئة الف قتيل وهجّر اكثر من نصف مليون مهاجر، والحاكم الذي نشر الأمن في البلد والوفاق مع كل البلاد العربية جعل لبنان جنّة، يقصده الناس للعلم والترفيه والحب!

 

اذا عدنا الى كتاب ميكيافيللي نقرأ قوله: لست اريد ان اغفل موضوعاً هاماً وخللاً يجد الحكام صعوبة في وقاية انفسهم منه اذا لم يتصفوا بالحصانة في حسن الإختيار، هؤلاء هم المتملقون الذين يغص بهم كل بلاط، فلا سبيل الى اتقاء شر المتملقين الا اذا ادرك الناس انهم لا يُغضبون الحاكم اذا هم صارحوه بالحقيقة. غير أنه اذا جاز لكل انسان ان يصارح الحاكم بالحقيقة ضاعت هيبة الحكم. من هنا وجب على الحاكم العادل ان يلجأ الى طريق ثالث فيختار لدولته حكماء الرجال ولهؤلاء وحدهم يعطي الحرية في مصارحته بالحقائق.

 

«الأمير»، كتاب ميكيافيللي ليس كتاباً بل هو سياسة. ومدرسة وأفكار تختصر في فك الإرتباط بين السياسة والأخلاق بل بين السياسة والدين. ولكن هل في السياسة أخلاق؟ هل فيها دين؟

 

ولكن المدرسة انتشرت وصار لها أتباع بحيث اصبح في السياسة ميكيافيللي هو القاعدة، ومدرسته هي الأساس.

 

وقد شهد لبنان منذ سنة 1975 تطبيقاً عملياً لكل تعاليم هذه المدرسة، وصارت المدرسة نموذجاً في الفساد والاحتيال وبيع الأوطان، وكل ما يقود الى القتال والدمار والفرقة! الجحيم، هي مدرسة الجحيم، وقد قالها ربان السفينة ومن بعده ومن ورائه نخبة الفاسدين المتملقين في العالم عنوانها: كيف تخلق لك الأعداء وكيف تهدم الأوطان ولا تُبقي لك أصدقاء؟