IMLebanon

تداعيات لبنانية للحكومة الإيطالية الجديدة؟

ميلوني امتدحت حزب الله ودانت مجازر إسرائيل

 

انشغال اللبنانيين على مواقع التواصل الاجتماعي، الأسبوع الماضي، بفوز اليمين الإيطالي بالانتخابات التشريعية، وانقسامهم بين مهلّل ومنتقد لتكليف جورجيا ميلوني تأليف الحكومة لم يكن بالضرورة تدخلاً عبثياً في ما لا يعنيهم. إذ يمكن أن تكون لهذا التحول الإيطالي تداعيات في كل أنحاء العالم

 

منذ تكليفها تأليف الحكومة الإيطالية، انشغلت الصحافة الإسرائيلية في نبش أرشيف رئيسة حزب «إخوة إيطاليا» جورجيا ميلوني، وخصوصاً بموقفين لها: الأول يعود إلى عام 2014 عندما دانت «المجزرة الإسرائيلية الأخرى ضد أطفال غزة»، والثاني دردشة مصورة مع صحافيين، في كانون الأول 2018، قالت فيها إنه «لولا حزب الله وحلفاء الرئيس السوري بشار الأسد (إيران وروسيا) لما كان المسيحيون في سوريا قادرين على الاحتفال بعيد الميلاد علناً». وهو موقف يمثّل تقاطعاً كبيراً بين رئيسة الوزراء الإيطالية الجديدة والكرسي الرسولي الذي يتصرف على هذا الأساس في نقاشاته المعمّقة، المباشرة وغير المباشرة، مع قيادة حزب الله في قضايا تربوية واستشفائية واجتماعية ترتبط بمسيحيي الشرق وثباتهم في أرضهم أكثر بكثير مما ترتبط بالشأن اللبناني، وخصوصاً بعدما تبيّن أن تجديد القادة الروحيين لبطريركيات ورهبانيات «أنطاكيا وسائر المشرق» لم يحقق الغاية المرجوة منه. وبالتأكيد، لن تكون إيطاليا «محور الكون» لكثير من اللبنانيين حين تقول ميلوني كلاماً مماثلاً، ولن يكون البابا هو الحبر الأعظم حين يتواصل سفير الفاتيكان مع حزب الله، ويحثّ على التفاهم والاستقرار وبناء السلام بدل التحريض والتقاتل ونشر الكراهية.

 

إلى ما قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الإيطالية، كانت ميلوني شخصية مغمورة، وبالتالي لا ينبغي تحميل مواقفها الداخلية أو الخارجية أكثر مما تحتمل، كما لا يمكن – بعد وصولها إلى السلطة – تحميلها وزر التصريحات الشعبوية التي تتّسم بها الحملات الانتخابية. مع ذلك، تؤكد تقارير دبلوماسية أن إيطاليا ميلوني ستكون مختلفة تماماً عما قبلها، وتحديداً في ما يتعلق بعلاقاتها الخارجية، وخصوصاً مع ألمانيا وفرنسا. وهذا ما ستكون له تداعيات على الاتحاد الأوروبي، وعلى روسيا، وعلى الشرق الأوسط بوصفه خزان الغاز الجديد. وإذا كانت روما قد سبقت باريس إلى الجزائر وحقول الغاز الإفريقية لتعويض نقص الغاز الروسي، فإن الشركات الإيطالية تمثل جزءاً من ائتلاف ثلاثي (إيطالي – فرنسي – روسي قبل إعلان انسحاب روسيا أخيراً) مكلف باستخراج الغاز اللبناني. ولا شك في أن حسابات إيطاليا ميلوني التي تعطي الأولوية للمصلحة الإيطالية لا تنسجم مع حسابات فرنسا التي تعطي الأولوية لحصار أميركيّ من هنا واسترضاء السعودية بعقاب جماعي للشعب اللبنانيّ من هناك.

 

 

ويشير دبلوماسي مخضرم إلى أنه بعد ولادة الاتحاد الأوروبي «بقي الألماني ينتمي إلى ألمانيا والفرنسي ينتمي إلى فرنسا، لكنهم أرادوا من الإيطالي أن يكون أوروبياً». واليوم، «بعد فوز ميلوني يعود الإيطالي إيطالياً أولاً». ومع استبعاد توقّع انعطافة حادّة في السياسة الخارجية الإيطالية، سواء مع روسيا أو في الشرق الأوسط، بسبب أولوية الهموم الاقتصادية الداخلية. إلا أنه، وفق مصادر دبلوماسية، «ليس بإمكان ميلوني أن تحقق انعطافة اقتصادية داخلية من دون تحوّل كبير في السياسة الخارجية». وفي هذا السياق، يتوقع أن تتبنّى ميلوني استراتيجية عمل مستقلة بالكامل عن «الهيمنة السياسية» الفرنسية و«الهيمنة الاقتصادية» الألمانية». ويشير أحد الدبلوماسيين العاملين في روما إلى أن الأوروبيين دفعوا ثمناً باهظاً للاتفاق الألماني – الروسي الذي أدّى إلى تدفق الغاز الروسي إلى أوروبا عن طريق ألمانيا، فيما يدفعون اليوم ثمن الافتراق الألماني – الروسي، من دون أن يكون لهم رأي في هذه أو تلك.

 

تقاطع كبير بين مواقف ميلوني والفاتيكان في ما يتعلق بلبنان وسوريا

 

أضف إلى ذلك أن لميلوني «شريكاً» أساسيّاً ذا نفوذ أوروبي في ما عبّرت عنه بشأن سوريا ولبنان، هو الكرسيّ الرسوليّ الذي سار منذ البداية عكس الخط السياسيّ العام الذي رسمته فرنسا – ساركوزي ثم فرنسا – ماكرون بشأن الأزمة السورية. وقد انعكس الموقف الفاتيكانيّ لبنانياً في مواقف البطريرك بشارة الراعي المستجدة الغاضبة من الإصرار الفرنسيّ والألمانيّ على تمويل دمج اللاجئين السوريين في المجتمع اللبناني بدل تمويل عودتهم. ويفترض، بالتالي، مع التحول الإيطاليّ الجديد أن الفاتيكان لم يعد وحيداً (مع المجر) في التفريق بين الخطر والصديق بالنسبة إلى مسيحيّي الشرق.

المؤكد أن ميلوني، بحسب التقارير الدبلوماسية، لا تملك أجندة خارجية ولا حتى ملامح مشروع. لكن مواقفها المبعثرة هنا وهناك تفضح قناعاتها. وإذا ما ربطت هذه «النتف» بتوجهاتها في شأن الاتحاد الأوروبي والعلاقة مع ألمانيا وفرنسا والسعي لتحقيق مصلحة الإيطاليين أولاً، فإن تحولات كثيرة يمكن أن يشهدها «دور إيطاليا» في المنطقة، بدءاً من وظيفة المنظمات والجمعيات الممولة من الحكومة الإيطالية والاتحاد الأوروبي إلى مشاركتها في اليونيفيل، مروراً بشركة «الوكالة الوطنية للمحروقات» (ENI) التي تعمل في 85 بلداً، وكان يفترض أن يكون لبنان السادس والثمانين على قائمتها لولا أنها تضامنت مع «توتال» بالانسحاب من لبنان حين كانت فرنسا تقرر في السياسة والاقتصاد نيابة عن إيطاليا. علماً أن الشركة ازدهرت بفضل استثمارها قبل عقود في دول الاتحاد السوفياتي وليبيا وإيران، وهي شريك أساسي في حقول الغاز في مصر وقبرص.

 

سلوك «لبناني» للناخبين الإيطاليين

يشير تقرير دبلوماسي إلى أن حزب «إخوة إيطاليا» بزعامة جورجيا ميلوني حصل على 26.8% من الأصوات، مقابل 8.9% لحزب «ليغا» بقيادة ماتيو سالفيني المعروف بأفكاره اليمينية المتشددة. وبالتالي، فإن الناخب الإيطالي لم يقترع لميلوني بوصفها الأكثر تشدداً وإنما لوجود من هو أكثر تشدداً منها بكثير، وبعدما جرب كل الآخرين. فيما نال حزب «فورزا إيطاليا» بقيادة رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلوسكوني المعروف بانفتاحه الكبير على الاتحاد الأوروبي والحلف الأطلسي 8.1% من الأصوات. ولهذه الأرقام دلالات على مزاج الناخب الإيطالي بشأن الاتحاد الأوروبي والناتو، علماً أن الدستور الإيطالي يمنح كل مجموعة نيابية مهما كان حجمها صغيراً الحق في طلب التصويت على طرح الثقة بالحكومة، ما يحول دون استئثار أي حكومة بالسلطة كما تفترض الفاشية. وقد أدى هذا النظام إلى تغيير 4 حكومات في السنوات الثلاث الماضية.

حصول تحالف وسط اليسار على نسبة 22% من الأصوات، مقابل 15.4% لرئيس الحكومة السابق جوسيبي كونتي، و7.8% لتحالف حزبي «اتسيوني» و«فيفا إيطاليا»، يعني أن الناخبين الإيطاليين كانوا أمام خيارات متنوعة بأفكارها ووعودها، ولم يختاروا ميلوني كما توحي التقارير الصحافية، بل وزّعوا أصواتهم في كل الاتجاهات، مع أرجحية غير مطلقة لميلوني. والمهم هنا هو ما يصفه المتابعون بـ«السلوك الانتقاميّ؛ للناخبين من الحكومات (اليسارية) المتعاقبة. فقد تصرّف الناخبون على أساس أن من تسبّب بتفاقم الأزمات لا يمكن أن يكون مصدراً للحل، ما يذكّر بسلوك الناخب اللبنانيّ حين صوّت كثيرون كردّة فعل بمعزل عن المشروع.