تيتّم بعمر الخامسة وتزوّج بعمر السادسة عشرة
عند كتفِ البحر، في حيّ الحمراء الداموري، ولد. حدث هذا قبل 86 عاماً. العمرُ، كما تعلمون، لحظة، فكيف بالحري عمر أحد آخر ثمار عنقود الزجل اللبناني الأصيل؟ إستقبلنا مرحباً وودعنا بوداعةِ إبن الأصول. هو من لُقّب بشاعر الإنسان لكن اللقب الأحب إلى قلبه «أبو عيد».
كبُر يتيماً «والطفل اليتيم قد يخاف من أي شي» لكنه أبى أن يكون مطواعاً إلا مع من يستأهل ومن لا يستأهل «فيُقطّعه في الشعر إرباً». وديعٌ هو ومغرور. مسالمٌ ومشاغب.
أنانيٌّ ويبذل نفسه من أجل الآخرين. هو ليس نقيض نفسه لكنه يفقه أسرار الحياة وألغازها وحركتها الدائمة فيتعامل معها بحنكة لكن من دون تدوير الزوايا.
عن الشعر والزجل وعلي الحاج وخليل روكز وأبو زيد الهلالي وعن الحبّ واليتم والزواج والسنديانة وعن زلاغيط النسوة والبحر وقوافي الشعر والعتابا والميجانا وعن «أحلى الأيام» لقاء مع عملاق الزجل اللبناني جريس البستاني.
صور القديسين تنتشر في أرجاء البيت: مار شربل ورفقا والحرديني ويسوع المسيح. دواوين شعره مكدسة في جنبات مكتبه وضيافة المعمول، في عيد الفصح، حاضرة. هواء يتسلل وكلمات تخرج من قلبه قبل لسانه: «هنا، في هذا البيت ولدت. كنا أربعة صبيان. أنا الثاني من فوق: جميل، أنا، سامي وفيليب. والدي عيد البستاني توفي وأنا لم أكمل عامي الخامس. «في هونيك دير زتوني فيه». مكثت هناك نحو خمس سنوات هربت بعدها وعدت الى البيت وكانت والدتي إيميلي قد تزوجت. عشتُ مع إخوتي وكأننا ولدنا من جديد».
طفولة اليتيم مختلفة، فهل أثّرت عليه؟ هل جعلته يُصبح ما أصبح عليه؟ يجيب: «جعلني اليتم متواضعاً أكثر. أصبح هناك من يناديني بالشاعر المتواضع. أصبحتُ أخاف من كل شيء. الطفل اليتيم يخاف من كل شيء، يخاف أن يجرح أحداً، فلا يكون مرتاحاً. لا يكبر بين والدين ولا يكون له سند ولا مال ولا جاه. لا «يُفشّط» اليتيم بل يتواضع. وهذه الصفات رافقتني طوال عمري».
التواضع شيءٌ جميل… فهل أحبّ ما كبر عليه؟ يجيب: «نعم، أنا بقيت متواضعاً لكنني لم أحبّ الغدر لا من الصغير ولا من الكبير. كان إذا رفيقي إشترى شيئاً ولم يخبرني يقهرني. وكنت حين أعتلي المسرح وأغني مع شاعر سبق واتفقت معه على رؤوس الأقلام ولعب عليّ لا أعود اطيقه. الغدرُ قهار».
قصته كبيرة لكنه موقن بأنه «إذا أخبرها للناس فقد لا يأخذونها بكبرياء وقيمة» لهذا سكت عنها. ماذا عن عمر المراهقة؟ يجيب: «منذ نعومة أظفاري أتابع قصص ابو زيد الهلالي وشعر عنترة بن شداد وقوافي الشعر ولا ازال. ودخل الشعر «مخي». كانت إذا زلغطت إمرأة أصغي إليها بإعجاب. وأصبح الناس في الأعراس يقصدونني قائلين: «أعددنا زلغوطة شفلنا ياها».
القنديل وعلي الحاج
كان هو في ميل وأشقاؤه في ميل آخر «لا علم لهم في الزجل أما أنا فعشقته عشقاً كبيراً. كنت أتتبع أخبار جوقات الشعر الغنائي وحفلات الزجل. وذات يوم زارنا في الدامور، في عيد مار مخايل، علي الحاج (الشاعر الشعبي الكبير) مع فرقة شحرور الوادي، وأقام حفلة الدخول إليها بنصف ليرة. لم يكن معي مال. مكثت ساعات أحاول الدخول فمنعت. لكني سمعت الشاعر يقول لعاملين: نحتاج الى قناديل. هرعت الى بيتنا وجلبت واحداً. حين رآني قال لي: الله يضوي عليك يا إبني. تفضل. دخلت وكان عمري أحد عشر عاماً. وقلت له ردة: بربح للقنديل جميل مش تيشفلك ويشفلي/ لولا ما لاقي القنديل ما قدرت حضرت الحفلة. وضع يده على كتفي وقال: يا بني قنديلك كلو مروة/ إنشالله بتوصل ع إيام متل القنديل تضوي». يتأثر. يتهدج صوته. تلمع عيناه. لكنه يضع كل هذه التأثرات في دائرة: صوتي أصبح تعباً. نشعر به يحاول إخفاء تأثره وهو شاعر مليء بالإحساس.
كانت المرة الوحيدة التي رأى فيها علي الحاج. مات الأخير قبل أن يتمكن من رؤيته ثانية لوجوده في القماطية التي تبعد قليلا عن الدامور. ويقول عنه: كان شاعراً يتمتع بذوقٍ كبير وقادراً فعلاً على الإرتجال. وكانوا يخبرونني أنه يقول عني: هناك شاعر في الدامور بدو يطلع طلعتو لكنه نسي إسمي. بشّر بي علي». يتأثر من جديد. نسأله عن تأثره فيجيب: «الكلمة التي أتفوه بها إذا لم تدمعني أمزقها. إذا لم تؤثر بي معناه انها ليست ناجحة فأرميها في سلة القمامة. وهذا ما جعلني شاعراً. كل ما أراه اكتب عنه. إذا رأيت إمرأة جميلة اكتب عنها. إذا رأيتُ إمرأة قبيحة اكتب عنها. لكن صوتي أصبح تعباً».
صعبٌ أن يخون الصوت الشاعر الزجلي. فكيف حاول أن يحافظ عليه على مدار ستين عاماً على المنبر؟ يجيب: «ألغيت التدخين من حياتي وألغيت المشروبات الباردة» ويستطرد: «بعمر الثامنة عشرة أسستُ جوقة سميتها «حسون الوادي». كان الناس في الجوار وفي الوديان يسمونني حسون الوادي. عاشت الجوقة نحو عامين وضمت شعراء كباراً أمثال خليل شحرور ويوسف شلهوب وأحمد السيّد. وذات يوم قال لي خليل روكز: عندي نقص في جوقتي وأحتاج إليك في حفلة في مشغرة. إنضممتُ إليه وغنيتُ معه في فرقة «جوقة الجبل» وصار الناس يهتفون لي باسم «الفرخ». كنت صغيراً. طبقني وبقيتُ معه ثلاثة اعوام حتى وفاته. رجعتُ الى الدامور وأنشأت جوقة الجبل».
لم يقل الشاعر الزجلي جريس البستاني قصيدة إلا إذا احترمها ويقول: احببتُ واحترمتُ من قصائدي كثيراً «السنديانة». والناس بقوا يطلبونها في الحفلات: «سألت عن عمر هوني سندياني/ بيساع بجوف قرمتها تماني/ جدي قال قلو لجد جدو قال هاي مش عازماني/ رجعت ليها بعد ما ضعفت مدي/ إسألها بإلحاح ورصاني/ إنتي مين خلاك تشدي/ ومن وين الأساس الأولاني/ قالت بذكر من دهور عدي/ آدم هون بلوطة رماني/ وعيت بهالتراب الباس خدي/ وشموخي من عمر أول حضاني…» من جديد يتأثر.
في أرشيفه قصائد خالدة فكيف تولد معه القصيدة؟ يجيب: «وحدها تأتيني. توقظني ليلاً. أكتبها في عزّ الليل كي لا أنساها كما ننسى الحلم».
آخر الجيل
واجه كل الشعراء الكبار في زمانه. اليوم بقي هو وطليع حمدان وموسى زغيب من ذاك الزمان. لكن، من هو الشاعر الزجلي الذي واجهه من الندّ الى الندّ؟ يجيب: «زين شعيب كان رجل مسرح كيفما رميناه يقف. كل الآخرين فيهم البركة. أحترمهم جميعاً لكن زين كان «يخوّف». لم يكن يهاب أحداً في الزجل ولا يخشى أن يتسبب بضررٍ».
في الزجل يفترض ان يكون الشاعر جريئاً… لكن ماذا عنه هو الشاعر المسالم؟ يجيب: «كنت أحترم عدوي وأقول يا رجل لا تجعله يخسر ولا تجعلني أخسر».
معناه كنت مسالماً؟ «نعم مسالم لكن من يدق بي، وبحقي، أقطع له رأسه. كنت مسالماً مع من يستحق، مع من أنا مثله وهو مثلي».
لكن في الزجل يفترض أن يزعل منك الآخرون؟ يجيب: «في الزجل نحتاج الى أن «نشقّف» الآخر وأن يعرف خصمي أنه سيأكل قتلة. وإذا نجح خصمي فعليه أن يطعمني بدوره قتلة». ما دام الأمر كذلك فمن طعماه قتلة؟ يجيب بحسم: «لا أحد وأشكر الله على ذلك بشهادة الجميع». ومن أطعم هو قتلة مبرحة؟ يجيب ضاحكا: «للأكثرية. إنها قتلات محبة».
يصمد من آخر الكبار هو وموسى زغيب وطليع حمدان. فما هي صفات من بقيا معه؟ «موسى عنده حضور وممثل شاطر ويعرف كيف يوصل الكلمة ويعرف كل طرق الزجل التي توصل الى الطاحونة. أما طليع فهو شاعر بنى نفسه بنفسه من الصفر. شاعر كبير وقفاه طيب». ماذا عن قفا موسى زغيب؟ يفكر ثم يجيب: «منيح منيح… لا اريد التشهير باحد لكنه جيّد». هل يلتقي بزميليه؟ «ليس كثيراً. أنا وموسى في حفلة ضمتنا في داريا طبشنا بعض. في المباريات التي جمعت الشعراء كنا نتفق على أفكار ومبادئ ومن يخرج عنها أعتبره قد غدر بي. لا أطيق الغدر وكل الناس تحترمني لأنني ألتزم بما أقوله وأفعله».
هل تعرّض الى غدرٍ؟ يجيب: «نعم، لكنهم لم يتوفقوا بما فعلوه معي» ويستطرد: «لا مشاكل بين الشعراء. إنهم «يكسرون» بعضهم على المنبر وحين ينزلون وكأن شيئاً لم يكن. لا غضب ولا مشاكل».
على المعابر
في بدايات الحرب الأهلية كان في عزّه. والجوقة كانت تضم شعراء من طوائف عدّة. فهل انتقلت الطائفية الى المنبر؟ يجيب: «كان آخر همنا السياسة والسياسيين. لم يكن يفكر أي منا أنه مسلم أو مسيحي أو درزي. بقينا معاً وكنا ننتظر بعضنا على المعابر. لم تخترق السياسة أدمغة شعراء الزجل. غنيتُ 60 عاماً على المنبر ولم أمدح سياسياً واحداً». الشاعر طليع حمدان سبق وقال مثله لكنه زاد أنه قال الشعر بكمال جنبلاط ووليد جنبلاط؟ يجيب: «هذا تبخير. قد يضطر شاعر الى ذلك وهو يعيش في منطقة معينة، أما أنا فإذا لم أحب الشخص أهجوه او أسكت عنه ولا امدحه. فكيف أمدح شخصاً بصفاتٍ لا يملكها. وقد قلت مرة: يلي بقلّك كيف حالك يا ملك/ وما كنت لابس تاج إسمو بهدلك».
أحداثٌ وتفاصيل ومفاجآت كثيرة عاشها ولم ينسها: «صعدنا مرّة على مسرح خشبي ليس ثابتاً فهبط بنا واصبح الخشب فوقنا وظلّ الميكروفون في يدي وبدأ الناس يضحكون فقلت لهم: عرفتوا يا أهلي بهالحيّ إنو فرقتنا كبيرة/ يا قووا منبركم شوي أو جيبوا فرقة زغيرة/ صفقوا فأنقذنا الموقف». مفاجأة أخرى حصلت معه يوم كان يندب شخصاً من آل مظلوم فتوفي كاهن البلدة أبونا الياس الذي يصلي على جثمانه. فكّر بسرعة وقال ما معناه: قام الأب الياس بواجباته للأخير. لاقى بعد في طريق بعيدة فعلّق ع كتافو صليب ورافق المرحوم من باب الكنيسة ع بواب السما».
الإرتجالي صعب على من لم يعتد الإرتجالي ويتكل فقط على الذاكرة: «أيام خليل روكز كان يُطلب منا مواضيع ونحن على المنبر لكننا لاحقا ألغينا ذلك. الإرتجالي قد يترافق مع كلام جارح لا يقصده الشاعر ويتسبب بمشاكل لا ننتبه إليها. خليل روكز قال لي مرّة: أنا مش فزعان إلا بعد ما موت يكتبوا كل شي قلتو. هناك أمور لم يرد أن تلملم وتسجل على لسانه».
هل تخاف أنت اليوم أن يُسجل كل ما قلته؟ يجيب: «إستدركتُ ذلك باكراً وعرفتُ كيف أنزع عني ما لا أحب حفظه وألبسه الى الآخرين الذين يلحون بسماعه».
بكلة وغيرة
ستون عاماً على المنبر. ألم يجرح أحدهم؟ ألم يندم على شيء قاله؟ «خلال مباريات التحدي، مثلي مثل كل الآخرين، قد أكون جرحت بعضهم. مرات الشاعر يقول أشياء فيخلق مشاكل بين الجمهور. أحد الشعراء قال في حفلة شعبية: يا حاملة شتلة على صدرك الشمال… فنظر كل الرجال الى زوجاتهم ولم تكن هناك إلا واحدة تضع على صدرها «بكلة» فانزعج زوجها واحمرّت عيناه وغضب. أخذت الميكروفون من زميلي وقلت: «يمكن يقولوا الشباب تغزلوا/ متل يلي بدن كل حلوة ياكلوا/ لا تفزعوا لا تنقزوا لا تزعلوا/ منطلع من بعيد وما مناكل حلو/ ولو قصدتوا عن الشعر تسألوا /بعد الغزل شو بياخذ الشاعر ع منزلو/ الشاعر متل مغزل عميغزل حرير/ بيعطي لغيرو اللبس والبرمة إلو./ فاستراح الزوج».
هل محاولتك الدائمة لانتشال الزملاء من ورطة ما جعلك مقرباً من قلوب الكثيرين؟ يجيب: «أنا حساس. اشعر مع كل شخص. لا أحب ان أرى أحداً غاضباً مني. ومن زعل مني فعل عن حسد». هل هذا يعني أن في مجالكم حساداً كثيرين؟ «نعم، نعم. الحساد غير قليلين. جميعهم أنا وبس. ومن حقّ كل واحد أن يتباهى بنفسه لكني أكره التفشيخ». هل يقول جريس البستاني: أنا وأنا وبس؟ يجيب: «بالتأكيد وعلى رأس السطح. أعرف أن هذه أنانية لكنك أنت سألت عن ذلك وأنا أجبت بصراحة».
هناك من يعتبر أن ذلك ناتج عن ثقة في النفس لا أنانية؟ «صحيح. من يقرأ ماذا اقول سيعلق: ما هذا الكلام من قرقور لكن من يراجع ماذا فعلت على المنبر يعرف من أنا».
هل أخذ جريس البستاني حقّه؟ يجيب بفرحٍ: «من الجمهور نعم» ويستطرد: «نحن عشنا مادياً من الزجل. كانت جوقتنا، ايام خليل روكز، تتقاضى عن الحفلة الواحدة 125 ليرة. عشنا بخير. ولزغلول الدامور الفضل في رفع أجر شعراء الزجل. صوته جميل وسلس وهو نال شهرة في الندب في المآتم حتى أصبحوا يقصدونه من كل مكان فرفع سعره».
ما دمنا نتحدث عن الندب والرثاء، فكم كان يتأثر وهو يقوم بهذه المهمة مهنياً وهو المليء بالإحساس؟ صريحٌ هو جريس البستاني الذي قال: لم نستطع إعطاء كل شخص مات حقّه كما هو. ذات يوم، دعونا انا وأنيس الفغالي، رحمه الله، الى ضيعة في جرد جبيل (العاقورة). قالوا ان الميّت كان صانع خير. صدقنا. وقفنا وندبناه: كان عنوان النزاهة. فصرخ واحد: معلوم. تابعنا: كان للإلفة عنواناً. صرخ آخر: معلوم معلوم… ناديتهما فأخبراني أنه ما «كان هالقدّ». وقفت مجدداً وتكلمتُ في العموم: قهار الموت… غدار الموت… إعترض ثالث وقال: تكلم عن المرحوم كان جيداً. لم اجبه بل غادرت وتوقفتُ منذ ذاك الحين عن الندب».
نكرر السؤال: هل كان يتأثر في مناسبات الندب؟ يجيب بصراحة: «لا، لأنه ليس جرحي بل أتكلم باسم أهل الميت. نقول أشياء عنهم وباسمهم يعجزون هم، في هذه اللحظة، عن قولها». من هو الشاعر الزجلي الذي نجح أكثر من سواه في جعل الناس يتأثرون؟ يقول: «كل شاعر ينجح في إلتقاط الجرح ينجح في جعل الناس تبكي».
تزوج جريس البستاني إبن 16 عاماً. وبعمر 17 عاماً حمل طفله عيد (عمره اليوم 65 عاماً) على ذراعه. لديه تسعة أولاد: ستة صبيان وثلاث بنات. ماتت زوجته ماري قبل 15 عاماً ولديه اليوم ثلاثين حفيداً. هو لم يعش مراهقته. تعلّم حتى صف الرابع إبتدائي. وامتلك القدرة على رسم الصور الشعرية واستخدام أجمل المرادفات من قراءاته التي لم تتوقف يوماً.
ما زال الشاعر يقرأ يومياً: «لا أقرأ الشعر بل الحكم والقصص التي فيها خيال. وأكتب أيضاً القصائد والقصص، عن الأرض والعالم والمرأة. لا أكتب مديحاً للمرأة. أؤلهها حيناً وأجرحها حيناً آخر. ولا أؤمن بوجود حبّ. لا شيء إسمه حبّ. الحب موسم وينتج عن الحرمان. لو لم يعش قيس الحرمان لما غرق في حب ليلى. عنتر مثله أيضا».
كثير من القصائد المغناة تنتمي الى دواوين جريس البستاني: «لكن من يغنون قصائدي لا يذكرون إسم الشاعر. زعلان من الذين لا يذكرون إسم شاعر تعب على كلمته حتى صارت «بتجنن». وائل كفوري غنى من قصائدي ولم يذكرني. نقولا الأسطا أيضا. كثيرون سرقوا من شعري وغنوا بيوت عتابا من تمثيليات كتبت قصائدها مثل يوسف بك كرم وجبران خليل جبران وطانيوس شاهين».
العلامة الأعلى لشاعر زجلي من الزمن الجميل يمنحها جريس البستاني الى خليل روكز: «كان مميزاً يقول ما لا يخطر في بال أحد. كانت مخيلته واسعة». وماذا لو طلب منه شطب أحد شعراء الزجل من اللائحة؟ من دون أن يفكر كثيراً يجيب: «أنا. أشطب نفسي. لأن عمري ذهب هيك… لم أعتد يوماً المطالبة بحقي. أتوا لوضع تمثال لي رفضت. لكن في المقابل، هناك من صنعوا تماثيل لأنفسهم».
لو حذف الشاعر نفسه من المعادلة فماذا كان تمنى أن يصبح؟ يجيب: «عامل في فرنٍ. الناس هم من جعلوني- بمحبتهم- شاعراً». هل يشعر الشاعر بالحزن إذا قيل إسمه في مكان ما – أمام شباب وشابات – فقيل: لا نعرفه؟ يجيب: «لا، أبداً لأن لا أحد يجهل من هو جريس البستاني».
هذا غرور الشاعر؟ يجيب: «يجب على كل شاعر تقدير نفسه». لكن، هناك أسماء لمعت أكثر من أسماء؟ «لمعت أسماء من يحبون الظهور أما أنا فأبتعد عن العدسات والصفوف الأولى. هذه طبيعتي».
أجمل لقب على قلبه: أبو عيد. أما العمر والشيب فيقول عنهما: حاجي تقولي البستاني/ ضيعانو يشيب/ الدالي بتشرين التاني/ بتصير زبيب.
لا يضمر الشاعر عداوة لزميلٍ ولم يراكم لدى آخرين عداوات. التسامح سمته وعن ذلك قال: مهما الخصام تكون أسبابو/ ومهما الزعل يقوى قسا حرابو/ لا بُدّ ما يلاقي التسامح باب/ يفرض عليه يفوت من بابو/ الغفران بيخلي العدا أصحاب/ حتى بشرعِ الغاب وديابو/ إيدك إذا انمدّت لديب الغاب/ بتزرع حيَا للديب بنيابو/ الحقد بيوتّر الأعصاب/ ومرات يمكن يقتل صحابو/ يللي بيسامح بعد كل حساب/ بيريّح الخاطي معو/ ومن ميل بيروق وبترتاح أعصابو.
ختاماً، كلمة من القلب إختصرها بكتابة تختصر ما عاش وما نعيش وجهها الى «نداء الوطن «وقراء» نداء الوطن»: حبّ الوطن محفور عجبيني/ وبهالقضيّة اللي بيعنيني/ لما كل ما الوطن نادى/ بقلو هلا هيدا ندا إبن الوطن موجود/ هيدا الوفا يلي خلا الكلام يجود/ موعود إسمع من ندا الأوطان/ كل يلي بيخلق للوجود وجود.