لم تكتف الجهات المانحة بالإحجام عن منح أيّ مساعدات لإغاثة الجنوبيين النازحين بفعل العدوان الإسرائيلي المستمر على قراهم، بل بادرت إلى التملّص من تنفيذ مشاريع مائية في الجنوب، متّفق عليها سابقاً
يدرس صندوق التنمية الألماني نقل تمويل مشاريع مائية بقيمة 15 مليون يورو من منطقة الجنوب إلى منطقة الشمال، متذرّعاً بـ«عدم قدرته على إجراء تقييم مفصّل لاتخاذ قرارٍ بشأن أولويات المشروع والمواقع المطلوب استهدافها بسبب الوضع الأمني». يأتي تطيير المشروع، في وقتٍ المنطقة فيه بحاجةٍ ماسّة إلى صيانة منشآت ومحطات وخزانات المياه، إثر الاستهداف الإسرائيلي الممنهج لها منذ ستة أشهر. وكانت عمليات الصيانة أحد أهداف المشروع الذي كان جزء من تمويله سيُصرف على تنفيذ خُططٍ مُرتبطة بتحسين مصادر المياه.أهمية تمويل هذا النوع من المشاريع، حيث الحاجة إلى عمليات إصلاح محطات المياه ستكبر نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية، تدفع إلى التشكيك في خلفيات التراجع الألماني، ربطاً بمواقف ألمانيا المنحازة للعدوّ الإسرائيلي في حرب الإبادة التي يشنّها على قطاع غزة واعتداءاته على الجنوب، ما يُفهم منه محاولة لفرض ضغط إضافي على البيئة الجنوبية. وإلا ما تفسير التناقض بين ما تدّعيه الجهات المانحة من تنمية المجتمعات وتحسين ظروف أفرادها، وبين الإحجام عن المساعدة في لحظةٍ تزداد فيها الحاجة إلى هذه المساعدة، ولا سيّما أنّ غرق المنظمات والهيئات المموّلة من الأموال العمومية للدول في التسييس لم يعد سراً. فمن القرار العلني برفض إغاثة النازحين الجنوبيين إلى التراجع عن دعم مشاريع حيوية في المنطقة، سياق واحد يؤكّد أن الجهات المانحة أذرع «غير بريئة» تتحرّك وفق أجندات تخدم سياسات دولها. وتكمن المفارقة الكبرى في استمرار طرح تمويل مشاريع ليست في رأس الأولويات، بمقدار ما تحمل عناوين براقة في ظروفٍ جنوبية لا مكان للترف فيها.
ووفق مصادر مطّلعة، فإن الاستفسارات المتكرّرة حول تأخير وحدة إدارة المشروع وتصميمه وإعداد دفاتر الشروط تمهيداً للتلزيم والتنفيذ، «لم تلقَ أجوبة شافية وواضحة»، إذ إنّ «الصندوق الألماني للتنمية»، لم يحترم المراجعين المعنيّين، ولم يبلغهم بنيته العزوف عن التمويل وتجييره إلى مؤسسات مياه أخرى، متذرّعاً بـ«مزيد من الدرس»، قبل أن يتبيّن لاحقاً لمؤسسة مياه لبنان الجنوبي أنّ خلف المماطلة والتسويف نيّات نسف المشروع.
15 مليون يورو لتحسين استفادة الجنوبيين من المياه تراجع الأوروبيون عن دفعها
التغيير في وجهة استخدام الاعتمادات المرصودة للمشاريع يفترض مشاورة وزارة الطاقة والمياه، المسؤولة الأولى عن إجراء المفاوضات مع المانحين وإبرام العقود وإصدار المراسيم المطلوبة لها، بصفتها وزارة الوصاية على مؤسسات المياه. وأكّد وزير الطاقة والمياه وليد فياض لـ«الأخبار»، «أهمية توزيع الاستثمارات بشكلٍ عادل على كل المناطق والمؤسسات»، مشيراً إلى أنه «فيما كانت الوكالة الفرنسية للتنمية ستدعم مناطق الشمال، اهتمّ الصندوق الألماني بدعم الجنوب وكان التقسيم مقبولاً». إما في الوضع المستجّد بعد القرار الألماني، فقد أكد فياض تمسّك الوزارة بـ«إبقاء التمويل في الجنوب، وهو ما سنبلغه لصندوق التنمية الألماني في إطار التفاوض معه». وشدد على أنّ «الوزارة لم توقّع اتفاقاً نهائياً مع الصندوق»، مشيراً إلى أنه طلب من «الصندوق» معاودة التفاوض مع مؤسسة مياه لبنان الجنوبي قبل تحويل التمويل إلى مناطق أخرى.
أما في حالة إصرار «الصندوق» على العمل في الشمال، فيطرح فياض طريقتين للتعويض: الأولى إعادة التفاوض مع «الوكالة الفرنسية للتنمية» التي تحضّر مشروعاً سينفّذ هذا العام في نطاق عمل مؤسسة مياه بيروت وجبل لبنان ومؤسسة مياه لبنان الشمالي، والاقتراح عليها توسيع نطاقه ليشمل منطقة عمل مؤسسة مياه لبنان الجنوبي. والخيار الآخر، منح «مياه لبنان الجنوبي» جزءاً أكبر من ميزانية «صندوق التنمية الألماني» التي يتم تنفيذها من خلال منظمة «اليونيسف» ضمن خطة العمل 2024-2025، وهي مشروع منفصل عن المشروع الملغى.