رضخ الائتلاف الألماني الحاكم للضغوط الإسرائيلية ــــ الأميركية لحظر نشاط حزب الله على الأراضي الألمانية بعد مذكرة وافق عليها البرلمان أمس. تحت سيل الضغوط، اختارت برلين استضعاف المقاومة اللبنانية، علّها تهرب من أعباء «السيل الشمالي» والملف الإيراني أميركياً. لكنّ ذلك أولاً وأخيراً يأتي على حساب دور ألماني في الشرق
نجحت ضغوط إسرائيل والولايات المتّحدة الأميركية، في دفع البرلمان الألماني (بوندستاغ) إلى تبنّي مذكّرة تدعو حكومة المستشارة إنجيلا ميركل إلى حظر أنشطة حزب الله على الأراضي الألمانية.
القرار البرلماني الذي جاء بعد أسبوعين من تسريبات صحافية حول نيّة الحكومة الفدرالية حظر نشاطات الحزب (راجع «الأخبار» العدد 29 تشرين الثاني 2019، «كباش حول قرار حظر حزب الله: هل تخضع ألمانيا لإسرائيل؟»)، جاء كترجمة لزيارة وزير الخارجية الأميركي لبرلين منتصف الشهر الماضي، ولقائه وزير الخارجية هايكو ماس، أحد أبرز الأصوات المؤيّدة لإسرائيل ولحظر حزب الله، بعد حسم النقاشات داخل الإدارة الألمانية لحساب المصلحة الإسرائيلية والخيارات الأميركية.
ويأتي القرار أيضاً، وسط ضغوط أميركية متعاظمة على ميركل، بسبب مشروع «السيل الشمالي» (نورد ستريم 2) لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، وإقرار مجلس الشيوخ الأميركي وضع عقوبات على الشركات التي تشارك في المشروع أول من أمس، بعدما أقرّها مجلس النواب الأميركي.
ولا يمكن إغفال الضغوط الداخلية التي تتعرّض لها ميركل، على خلفية ملف اللاجئين، من أحزاب يمينية، ولا سيّما حزب «ألمانيا البديل»، وتحميلها مسؤولية ارتفاع عدد اللاجئين وما يزيد على 800 ألف حادث أمني منذ عام 2015 ارتبطت بلاجئين هربوا من الأزمات التي تعرّضت لها بلدانهم في السنوات العشر الماضية، وكان لألمانيا كما لغيرها من الدول الغربية دور في استعار هذه الأزمات.
من هنا، يبدو قرار البرلمان الألماني بحقّ حزب الله (بعد تأكيدات ألمانية متعددة بأن قراراً من هذا النوع لن يمرّ، كان آخرها بداية الشهر الحالي)، محاولةً لتخفيف الضغوط في الملفّات الأخرى، وللهروب من تقديم تنازلات إضافية للأميركيين في ملف التبادل المالي مع إيران، مع كل ما يعكسه هذا القرار من مخاطر مباشرة على أي دور ألماني مستقبلي في الشرق. فألمانيا، التي لطالما قامت بأدوار وساطات خلال نزاعات في العقدين الأخيرين، ولا سيّما إدارة أكثر من عملية تبادل للأسرى بين المقاومة والعدو الإسرائيلي، قد تحوّلت بفعل الضغوط الأميركية إلى طرف وأداةٍ ضغط على المقاومة اللبنانية، متخلّيةً بشكل شبه نهائي عن دور سياسي كانت تبحث برلين عنه في سوريا ولبنان والعراق، لمصلحة روسيا، التي أثبتت قدرتها على إيجاد خطوط اتصال بجميع القوى والدول في الإقليم، بعد التجربة السورية.
ومع أن المذكرة تحتاج إلى وقت، يمتد من أسابيع إلى أشهر، لكي تبدأ الحكومة بتطبيق انعكاساته على أرض الواقع، وتضيّق بموجبه على أي نشاط علني لأفراد أو مجموعات تدعم الحزب، ولا سيّما يوم القدس العالمي الذي اتخذه المؤيّدون لإسرائيل ذريعة للتصويب على حزب الله، إلا أنه لا يرقى إلى حدّ اعتبار الجناح السياسي للحزب تنظيماً إرهابياً وعدم فصله عن الجسم العسكري، كما كانت ترغب إسرائيل وأميركا. فهذا القرار، في ظلّ قوانين الاتحاد الأوروبي والتنسيق الألماني ــــ الفرنسي الدائم في مختلف القضايا الدولية، يحتاج إلى إجماع أوروبي ولا يمكن فرضه في ألمانيا وحدها على المستوى الوطني، وخصوصاً أن فرنسا تعارض هذا الخيار، واعتراضاتها على خيار البرلمان أمس وصلت سريعة وقاسية إلى برلين، كما أكّدت لـ«الأخبار» مصادر دبلوماسية مطلّعة على النقاشات في الأروقة الدبلوماسية الأوروبية.
وتخشى فرنسا انعكاس تصعيد من هذا النوع على جنودها العاملين في القوات الدولية في جنوب لبنان (اليونيفيل)، وعلى التوازنات الداخلية الدقيقة في لبنان، وخصوصاً في ظلّ محاولات باريس القيام بدورٍ في الأزمة الحالية اللبنانية، والمحاولات الفرنسية لإبقاء خطوط الاتصال والحوار مع الفرقاء اللبنانيين، ولا سيّما حزب الله. مخاوف فرنسا ليست بعيدةً عن مخاوف فريق في داخل الإدارة الألمانية يخشى أيضاً على الجنود الألمان في الجنوب، ولا سيّما العاملين في القوّة البحرية، بالإضافة إلى الهزّة المدويّة التي تعرّضت لها سياسة الواقعية السياسية التي لطالما تعامل بها الألمان، والتي تحتّم على دبلوماسييهم التعامل معها بسبب قوّة حزب الله الشعبية على الساحة اللبنانية وتأثيراته في الإقليم.
خسرت برلين دوراً كانت تبحث عنه في سوريا ولبنان والعراق لمصلحة روسيا
ولم يتضح بعد الموعد الذي ستبدأ فيه الحكومة تطبيق المذكّرة، إلّا أنها ستطاول بحسب ما يرشح من برلين، بعض الجمعيات التي تشتبه الاستخبارات الألمانية في ارتباطها بحزب الله والقيام بجمع أموالٍ لمصلحته والتحريض على إسرائيل، مع أن حزب الله نفى مراراً أي ارتباط مباشر أو غير مباشر له بجمعيات تعمل على الأراضي الألمانية.
وتم إقرار المذكّرة بأصوات أحزاب الائتلاف الحاكم، وهي: «المسيحي الديموقراطي» و«المسيحي الاجتماعي» و«الاشتراكي الديموقراطي»، ودعم «الديموقراطي الحرّ» من المعارضة، فيما امتنعت أحزاب «اليسار» و«الخضر» و«البديل» عن التصويت. وبدا لافتاً امتناع «البديل» عن التصويت، على الرغم من تأييد الحزب لإسرائيل بخلفيته اليمينية والضغوط التي تمارس عليه واتهامه بالنازية. من جهته، لم يكتفِ السفير الإسرائيلي جيرمي إيساكاروف في برلين بالقرار، بل طالب بـ«تصنيف حزب الله في ألمانيا وفي جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي كتنظيم إرهابي».