Site icon IMLebanon

إستقالة جرمانوس… سمعة القضاء على المحك!

 

 

 

المؤكد الوحيد في خلفيات استقالة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس أنّ حكماً قاسياً قد يصدر بحقه من قبل المجلس التأديبي للقضاة، بعد إحالته من قبل هيئة التفتيش القضائي أمام المجلس. إستبق جرمانوس القرار بالاستقالة كي تسقط عنه الملاحقة المسلكية فيبقى محتفظاً بمكتسباته. في حين أفادت معلومات موثوقة أنّ القرار التأديبي صدر بالفعل بحق جرمانوس وقضى بتأخير تدرّجه لمدة ستة أشهر.

 

على أنّ قبول الاستقالة من عدمها من قبل رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود مؤشر مهم على تعاطي القضاء في المرحلة المقبلة، خصوصاً على ضوء الانتفاضة الشعبية التي بدأت في السابع عشر من تشرين الأول. والاستقالة من شأنها أن تفتح حكماً ملف التعيينات القضائية على مصراعيه وتضع القاضي عبود أمام امتحان صعب.

 

فقد قرر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية تقديم استقالته الأسبوع المقبل ووضعها بتصرف مجلس القضاء الأعلى. وفور شيوع الخبر تردد أنّ جرمانوس استقال احتجاجاً على عدم دعوته إلى اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع للمرة الثانية على التوالي، وهو ما اعتبره بمثابة مؤشر لرفع الغطاء السياسي عنه من قبل العهد الذي زكّى سياسياً تعيينه في منصبه. غير أنّ سبباً أقوى قد يكون هو الأصح في تحليل سبب استقالة جرمانوس التي سبق وأعلن نيته تقديمها قبل يومين.

 

فاستقالة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية لا بد أنها مرتبطة بحكم المجلس التأديبي للقضاة، الذي سيصدر بحقه قريباً بعد إحالته من قبل هيئة التفتيش القضائي أمام المجلس، الذي هو بصدد إصدار قرار بشأنه بعد تحقيقات أجراها حول تجاوزات قام بها جرمانوس في معرض أدائه وظيفته، وهو كان من ضمن عدد من القضاة الذين أحيلوا أمام الهيئة بملف الفساد القضائي وصدرت أحكام بحقهم وصلت حد عزلهم من منصبهم.

 

واستقالة جرمانوس إذا قُبلت من قبل مجلس القضاء الأعلى من شأنها أن تقطع الطريق على تنفيذ قرار المجلس التأديبي بحقه، في حال اتخذ المجلس قراراً تأديبياً ويبقى حقه محفوظاً في الانتقال إلى أي منصب إداري آخر وتسقط ملاحقته، خصوصاً وأنها ملاحقة مسلكية (مرتبطة ببقائه بوظيفته) وليست جزائية.

 

التعيينات القضائية

 

والإستقالة هذه قد تعجّل خطوة التشكيلات القضائية المنتظرة، لكنها في المقابل، وهذا المرجح، أنها تؤخر حصولها للخلاف على تعيين البديل من جهة، ومن جهة ثانية أنها ستظهر في حال رفضت كيفية التعاطي مع الملف القضائي على أنه “كيل بمكيالين”. إذاً لماذا لا يذهب ملف التحقيق مع جرمانوس إلى الآخر؟ وهل هناك مسعى فعلي لإخراجه من العدلية؟ أم أنها كرة نار مررت في وجه القاضي سهيل عبود خصوصاً وأنّ قبول استقالة جرمانوس قبل صدور الحكم بحقه، تعتبر خطوة في الاتجاه الخاطئ وتتعارض مع الوجه الاصلاحي الذي اتى به القاضي عبود الى العدلية.

 

وتعدّ آلية التعاطي مع استقالة جرمانوس مؤشراً لما ستكون عليه التعيينات القضائية. تلك التعيينات التي كانت تحصل عن طريق المحاصصة السياسية في السابق، لم يعد جائزاً أن تسير على القاعدة القديمة بعد التحوّل الذي شهدته البلاد، ما يضع سمعة القضاء ومصداقيته على المحك.

 

وتؤكد مصادر قضائية على ضرورة أن تشهد التعيينات القضائية تغييراً في النهج هذه المرة، خصوصاً وأنها تأتي بعد تاريخ السابع عشر من تشرين الأول والانتفاضة الشعبية التي يتوجب أن تُحدث تبدلاً في السلوك، وتلحظ المصادر وجود تيارين في التشكيلات القضائية، تيار تقليدي يمثله المدعي العام التمييزي غسان عويدات المدعوم من مراكز قوى سياسية مختلفة، وآخر هو تيار الرئيس الأول سهيل عبود، الذي يحاول أن يتمسك بالمعايير التي سبق وحدّدها في اجتماعه الاول يوم تعيينه في أيلول الماضي، وتلحظ الأقدمية والنزاهة والمناقبية. وإذا كان المعيار الأول ثابتاً لناحية الأقدمية فإن المعيارين الآخرين عرضة للتدخلات السياسية ومعايير العلاقات الشخصية، بحيث تصبح العملية هنا تقديرية بخاصة مع عدم وجود ملفات تقييم للقضاة.

 

غير أنّ الواضح للأسف في ما يرشح من معطيات أولية، أنّ العقلية لا تزال على حالها في مقاربة التعيينات لملء ما يقارب العشرين مركزاً شاغراً، من بينها موقع قاضي التحقيق الأول في بيروت ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، فضلاً عن وجود نية لتغيير بعض النواب العامين الموجودين حالياً ومن بينهم القاضية غادة عون والقاضي رهيف رمضان. وتردد في هذا السياق أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أبلغ المعنيين بالتعيينات القيام بما يرونه مناسباً، مع تمنّيه “إبقاء القاضية عون في منصبها”، فما كان من الرئيس بري، الذي كان يسلم للقضاة فعل ما يرونه مناسباً، إلا أن يزكّي بقاء القديم على قدمه من القضاة المحسوبين عليه.

 

وبغض النظر عن إدانة جرمانوس من عدمها، فإنّ القضاء اليوم مدعو إلى إعادة النظر في بنيته الداخلية والمجيء بأشخاص موثوق بمناقبيتهم، خصوصاً وأنّ ما يحتاجه البلد حالياً للخروج من أزمته موجة إصلاحات ومكافحة للفساد وتعقب ناهبي البلد واستعادة الأموال المنهوبة. وهذا عمل يتوقف أولاً وآخراً على وجود قضاء مستقل. ألم تنقذ إيطاليا من فسادها مجموعة صغيرة من القضاة ودفع بعضهم حياته ثمناً… إنقاذاً لسمعته ونزاهته؟