لم يكن ينقص المتهم إيلي غبش، خلال استجوابه أمس، إلّا أن يقول للعميد حسين عبدالله «نَقّلني بس أوّل كلمة»، ليستذكر اعترافاته السابقة، كمَن حفظ درسه أو دوره عن ظهر قلب، وأتى «يُسمّع» مرتاحاً ممازحاً، إلى حد تدخل ممثل النيابة العامة العسكرية القاضي رولان الشرتوني، مستغرباً: «معقول مدعى عليه بقضية فَبركة ملف التعامل مع إسرائيل وبيضحك بـ إفادتو؟». فردّ غبش: «أضحك على الشرط الذي كنت وضعته مع زوجتي «من منقوشة لمنقوشة»، إنّو الحاج ستتصل بي رغم تركي العمل في مكتب المعلوماتية».
لم يعد يُحصي المقرصن إيلي غبش عدد المرّات التي يمثل فيها أمام المحكمة العسكرية لمواجهة دعاوى فبركة ملفات تعامل مع إسرائيل لأشخاص. فأمس مَثُل بقضيتين، الاولى، إختلاق ملف التعامل مع الموساد الإسرائيلي وعَزوه إلى إيزاك روحانا دغيم، وقد أرجئت الجلسة إلى 31 من الشهر الجاري.
والثانية، فبركة العمالة و«تقديم أدلة إلكترونية وهمية بحق المسرحي زياد عيتاني وموافقة المدعى عليها المقدم سوزان الحاج»، بحسب القرار الإتهامي.
في التفاصيل
على وقع التكهنات، والتحليلات، ووسط تظاهرة إعلامية لم تشهدها قاعة المحكمة العسكرية الدائمة قبلاً، نادى رئيس المحكمة العميد حسين عبدالله على المتهم غبش الذي مثل ووكيله المحامي انطوان الدويهي.
دقائق معدودة من الصمت، وأنظار الحاضرين تغزل فضولاً في كافة أرجاء القاعة بحثاً عن المقدّم الحاج، إلى أن دخلت الحاج ببزتها العسكرية الرسمية بخطوات ثابتة مُلقية التحية العسكرية على الهيئة، بالتزامن مع تقدّم وكلائها من قوس المحكمة، وهم: النقيب رشيد درباس، زياد حبيش ومارك حبيقة.
«أوّل شي خَبّرني عن حالك، شو متعلّم، وين خدمت؟». من هذا السؤال انطلق عبدالله في استجوابه، فردّ غبش: «كنت في القوات البحرية ـ ثكنة بيروت بين العامين 2010 و2013 قبل أن أغادر لسبب صحي، وبعدها سافرت إلى كاليفورنيا حيث أجريت دورة نحو 6 أشهر على صيانة المعدات الالكترونية، ثم عدت الى لبنان وفتحت متجراً لصيانة الالكترونيات وتصليح الهواتف إلى أن تمّ توقيفي عام 2015، نحو شهر ونصف، لدى مكتب الجرائم المعلوماتية بتهمة قرصنة الموقع الإلكتروني لمصرف «سوسيتيه جنرال» انتقاماً للجريمة التي ارتكبها طارق يتيم وذهب ضحيتها جورج الريف، وبعدما علم أنّ يتيم يعمل لدى صاحب المصرف المذكور».
ورداً على سؤال العميد، متى تعرّفت الى المقدم الحاج للمرة الاولى؟ أجاب غبش: «خلال خضوعي للتحقيق في مكتب المعلوماتية، حين كانت الحاج برتبة رائد وتتحدث مع أحد الموظفين الذي أبلغها عن تعذّر إطفاء موقع إلكتروني من حاسوب واحد، فأظهرتُ لهما العكس، وهاجمتُ أكثر من موقع إلكتروني من قلب المكتب من الحاسوب».
وتابع: «بعد خروجي بأسبوع، إتصلت بي الرائد الحاج عارضة العمل مقابل راتب شهري، وحينها توظفتُ في المكتب ببطاقة عامل نظافة، وكنت أقوم بكل ما يطلب مني، لجهة قرصنة مواقع للعدو أو لمجموعات إرهابية وعناصر من «داعش»، وبعد نحو 7 أشهر تركت المعلوماتية بعد حصولي على عرض مُغر في شركة إلكترونيات، وانقطع التواصل، إلى اليوم التي أصبحت فيه مقدّم، فحاولتُ الاتصال بها للتهنئة لكنها لم تجب».
عرض التسجيلات والمحادثات
بعدها أضيئت شاشة كبيرة على إحدى جدران القاعة، وطلب العميد الاستماع إلى عيّنة من «الفويسات» والرسائل النصية بين غبش والحاج، التي لم تظهر أي طلب مباشر من الحاج لغبش لفبركة ملف العمالة. وكانت المرة الاولى التي تتواصل فيها الحاج مع غبش في 16-10-2017، وعلى حد تعبير غبش «بعد مدة قصيرة من إقالة الحاج من منصبها بسبب ضغطها «إعجاب» على تغريدة شربل خليل عن السماح للمرأة السعودية بالقيادة».
وفي هذا الإطار، يعود العميد عبدالله إلى اعترافات زوجة غبش، وتأكيده لها انّ الحاج ستتصل به مجدداً على رغم من تركه العمل لديها، «ليش فكّرت بدها تحكيك؟» أجاب غبش: «أعرف نفسيتها منذ أن طلبت منّي اعتراض موقع إلكتروني لأنه أساء الكلام عن مكتب المعلوماتية، وأنا كنتُ بمثابة جوكر، وهي تعرف قُدراتي».
وأضاف: «بعد إقالة الحاج من منصبها كرئيسة لمكتب المعلوماتية، تمّ الحديث بيننا عن قرصنة مواقع لوزارات وادارات لإظهار أنّ غيابها أحدث فراغاً، وقد قبلت بمهاجمة مواقع الوزارات لأنّ للمقدم الحاج فضلاً علي، فهي وَظّفتني في مكتبها»، مشيراً الى أنه خلال اختراقه المواقع «كنت أمرّر معلومات تفيد أنّ وزير الداخلية نهاد المشنوق يُمرّر مطالب غير قانونية لطائفته».
وبعد نحو 10 أيام طلب غبش من الحاج، موعداً لزيارتها في منزلها ليعرض عليها «فكرة منتج وعمل خاص بيننا». فقاطعه العميد: «فكرة انتقامية وَددت عرضها على حبيش؟»، فيجيب غبش: «كلا». وتوسّع في حديثه عن زيارته لها مؤكداً أنها لم تطلب منه فبركة ملف عمالة: «لا هي طلبت، ولا أنا تحمّست»، كل ما في الامر أنني استفسَرتُ منها عن قصة عزلها من منصبها في اعتبار انها ليست الاولى ولا الاخيرة التي تعمل like، وقد أظهرت لي صوراً ضمن «سكرين شوت» عن زياد عيتاني ورضوان مرتضى، لَشوف شو بقدر أعمل تا نضَوّي عليُن، نِمسُك عليُن شي، «لَح نِعملّن add ونوَقّعن بالضرب».
قنبلة الجلسة
سأل العميد مراراً غبش عمّا إذا كانت الحاج قد طلبت منه الفبركة أو مجرد البحث عن دليل يدين كلّاً من زياد عيتاني ورضوان مرتضى؟ فكان غبش في كل مرة يجيب بطريقة مغايرة، من دون إظهار أي دليل الى أنها مَن كلّفته، وكان حين يحتار في الرد يقول: «كَلّفتني بالفبركة أثناء زيارتي لها».
وحيال أجوبته المتناقضة إرتسمت علامات الاستغراب على ملامح العميد الذي كرّر السؤال نفسه بأكثر من صيغة، «مين طلب منّك فبركة الملف؟ مين كلّفك؟ إنت تحمّست؟».
وهنا بدأ التَشتّت يظهر على غبش، ويتلعثم، لينتهي الى القول: «ما بذكر»، مشيراً إلى انها «طلبت منه درس ملفّهما (عيتاني ومرتضى) وخَلق ما يُجبرهما على الحضور للتحقيق معهما». فقاطعه العميد: «إتهام عن اتهام بيفرُق بين خَلق لهم قضية تعاطي المخدرات او تركيب ملف العمالة»، ويضيف: «كل مرة أسمع منك كلاما مختلفا». فيجيب غبش: «لم يكن الهدف «تِتدَركَب» الأمور لهون، كان الهدف إنّو ينجَر عيتاني الى التحقيق ويتبهدَل شوي».
ويلفت غبش إلى انه قبل أن يتصل بالمقدّم الحاج ويخبرها عن عيتاني، كان قد استفسر من رفاقه في أمن الدولة، وتحديداً من إيلي برقاشي، عن عيتاني، فقال: «أعمل مخبراً لأمن الدولة، لذا اتصلتُ بأمن الدولة وسألتن شو بتعرفو عن زياد عيتاني؟ فأبلغوني انّ حوله شبهات عمالة وتمّت مراقبته وبحقه إخباريات، ولم يتم توقيفه لعدم بروز دليل قاطع على عمالته».
وفي ختام استجوابه، اعترف غبش انه عندما خلق أحد «البروفايلات» مدّعياً انه لشابة إسرائيلية، وأرسل رسالة إلى عيتاني، لم يفتح الأخير الرسالة، وحتى إن فتحها ليس بوسعه قراءتها لأنها مشفّرة، «لأن ما بدّي أعملو عميل، كيف عيتاني اعتَرَف ما بعرف!».
بعد نحو ساعة ونصف من الاستجواب، أرجئت الجلسة إلى 7 شباط.
الملف فارغ!
من جهته، إعتبر درباس «انّ غبش باعترافاته نَسف الدعوى عن بكرة أبيها، فالملف فارغ ومَن فَبركه ساذج»، وأضاف: «كنتُ قد حضّرتُ له نحو 20 سؤالاً، بعدما استمعنا له وجدتُ أن لا حاجة لأسئلتي فقد فَضح نفسه بنفسه».
وقال درباس لـ«الجمهورية»: «هل من يتلقى اتصالاً من خارج الحدود، يتّهم بالعمالة؟ بعض اللبنانيين تَردهم رسائل نصية إن كنت تعلم معلومات عن رون أراد مقابل مبلغ مالي. أين الجرم؟ لو افترضنا نيللي حقيقية وإسرائيلية، وألقت التحية ولم أجب عليها، أين الجرم؟ وحتى في جريمة الإفتراء، بحسب المادة 403 من قانون العقوبات، تُعاقب بجرم الإفتراء عندما يكون المفتري قد نَسب لشخص آخر فعلاً يُعاقب عليه القانون، إذا كان الفعل لا يُعاقب عليه القانون، لا يكون هناك إفتراء. غبش أرسل رسالة إلى عيتاني، ولو حاول هذا الأخير فتحها ليس بوسعه قراءتها، وحتى لو قرأها ما في شي، مجرّد تحية. وهذه الافعال لا يُعاقب عليها القانون».
وأضاف: «لقد حبس عيتاني لاعترافه بوقائع أخرى لا أحد يعرفها سواه».
وقال: «لو انّ الحاج إرتكبت إثماً في فبركة الملف، لن تركّبه بهذه السذاجة، أقله حَمَت نفسها، وما أبقَت أدلة مع مقرصن. ولو انّ كلامها يؤدي إلى توريطها بتركيب ملف، أقله كانت نسفت الأدلة». مشيراً الى «انّ الاتفاق كان بين غبش وجهاز أمن الدولة، وقد أُبلغت المقدّم الحاج بعيتاني لاحقاً بعد اتصال غبش بالجهاز».
ولفت درباس إلى «أنّ غبش وقعَ في كثير من التناقضات وادّعى النسيان، وهو لم يزر المقدّم في منزلها إلّا مرة واحدة قبل توقيف عيتاني، وهو لدى استجوابه اعترف أنه يعمل كمُخبر لدى أمن الدولة، وقد ركّب ملفات لأشخاص آخرين يُحاكَم بموجبها، واعترف أنه باعً بضاعة مغشوشة لجهاز أمن الدولة، وحاول بيعها للمقدّم، لكنه فشل!».