بعدما استغل العهد ملف التدقيق للاقتصاص من خصومه والتلهي به بدلاً من تأليف الحكومة
منذ بداية التلويح به والمباشرة بالتسويق له بحملة سياسية واعلامية ودبلوماسية واسعة النطاق وكأنه خشبة الخلاص من الأزمة التي يواجهها لبنان حالياً، لم يكن هناك من قناعة بأهلية رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي لتطبيق قانون ملف التدقيق الجنائي لعدة أسباب أهمها، ظهور توجهات مفضوحة لدى العهد لاستغلال هذا القانون لتصفية الحسابات السياسية والانتقام الكيدي من الخصوم السياسيين للعهد وتياره السياسي، بدلاً من ان ينطلق تنفيذ هذا القانون لكشف مكامن الهدر والفساد والاختلاسات ومحاسبة المسؤولين عنها بشفافية وبعيداً عن الاستهداف المنظم للمراكز والمواقع الوظيفية المهمة في إدارات ومؤسسات الدولة بهدف تنصيب ازلام «التيار الوطني الحر» مكانهم، كما ظهر ذلك بوضوح بعدما عجز العهد المتداعي طوال السنوات الأربع والنصف المنصرمة عن تحقيق هدف ابعادهم قسراً، برغم كل حملات التهجم والتحامل وتشويه الحقائق والتهديدات المباشرة التي طاولتهم وما تزال حتى اليوم، ولا سيما منهم حاكم مصرف لبنان وشركة طيران الشرق الأوسط.
اما السبب الثاني الذي قلص من صدقية العهد وفريقه السياسي بأهليتهم لتطبيق هذا القانون كما هو مطلوب في حيثياته بشكل متوازن وزاد من الشكوك حول الهدف منه، فهو انتقائية المؤسسات والوزارات والإدارات ليقتصر مفعوله على من يشغلها موظفون محسوبون على خصومهم السياسيين في معظمهم او لا يدورون في فلك العهد وسياساته وتوجهاته الفاشلة، بينما لوحظ انه تمّ استبعاد أو تحييد الوزارات والمؤسسات المحسوبة على العهد كوزارة الطاقة والكهرباء عن مؤثرات تطبيق القانون المذكور، عمداً وعن سابق تُصوّر وتصميم، برغم كل مكامن الهدر والفساد ورائحة الصفقات المشبوهة وتبديد عشرات المليارات من الدولارات من خزينة الدولة والمال العام من دون جدوى على هذه المؤسسات المشكو منها خلال تسلم وزراء محسوبين على «التيار الوطني الحر» منذ أكثر من عشر سنوات وعلى رأسهم النائب جبران باسيل تحديداً.
اما السبب الثالث، فهو حملة التجييش الاخيرة التي سوّق العهد لها لاستبدال تنفيذ قانون التدقيق الجنائي محل استحقاق تشكيل الحكومة الجديدة، لاخفاء مسؤولية رئيس الجمهورية وفريقه السياسي عن تعطيل وعرقلة تشكيل الجديدة، لاعتبارات ومصالح خاصة وضيعة جداً، لها علاقة مباشرة بإعطاء «رئيس التيار الوطني الحر» مكانة تسلطية بالتركيبة الوزارية الجديدة، وإعادة تلميع وتظهير مكانته السياسية التي شوهتها العقوبات الأميركية المفروضة عليه، وتآكل شعبيته جرّاء ممارساته وألاعيبه السياسية الملتوية وسياسات التعطيل وعرقلة عمل الحكومات السابقة دون جدوى، بينما ظهر بوضوح للرأي العام ان كل ما يروّج له العهد من أسباب وعناوين طائفية وسياسية لتبرير عرقلة تأليف الحكومة الجديدة لم يكن واقعياً أو مقنعاً.
ظهر بوضوح عجز العهد المتداعي طوال السنوات الأربع والنصف المنصرمة عن استهداف المواقع والمراكز الهامة
قدّم رئيس الجمهورية ملف التدقيق الجنائي باهميته على استحقاق تأليف الحكومة الجديدة كما ظهر ذلك في المواقف والتصريحات الرسمية الصادرة عنه، خلال لقاءاته واستقبالاته مع النواب أو الزوار الأجانب، حتى باتت الهالة التي نسجها العهد وفريقه السياسي حول هذا الملف تتقدّم على الأزمة برمتها والحالة الكارثية التي طالت معظم اللبنانيين بتداعياتها المالية والاقتصادية والمعيشية.
الا ان كل هذه الحملات والتعبئة الشعبوية أظهرت هشاشتها تصرفات القاضية الموالية للعهد والمخالفة لأبسط مقدمات ممارسة صلاحياتها غادة عون، التي وجهت الضربة القاضية لكل ما قام به العهد وفريقه الرئاسي لتسويق قانون التدقيق الجنائي، وأظهرت بما لا يدع مجالاً للشك عدم أهلية العهد لتطبيق هذا القانون أو حتى التلويح به من جديد أو إعادة تظهير تنفيذه بأسلوب مختلف. فالهالة التي رسمها رئيس الجمهورية حول تطبيق قانون التدقيق الجنائي ذهبت هباءً ولم يعد لها أي معنى، ولا تصلح لاقناع أي مواطن بجدواها سوى من يدورون بفلك «التيار الوطني الحر»، بينما السؤال المطروح يبقى عمن سيتولى تنفيذ آلية قانون التدقيق الجنائي بعد التجاوز المفضوح لكل مرتكزات عمل القضاء والصلاحيات القضائية التي مارستها القاضية المحسوبة على العهد والاهتزازات التي تسببت بها للجسم القضائي جرّاء ذلك.
بعد ما حصل الأسبوع الماضي، سقطت كل أوهام العهد بملف التدقيق الجنائي بعدما استهلك مفاعيله والغاية منه، كما باقي الشعارات والوعود الفارغة والوهمية التي استغلها سابقاً، ومنها ملف إعادة النازحين السوريين الذي استغله لتعطيل عمل الحكومتين الأولى والثانية للعهد، ولم يستطيع تسجيل خطوة واحدة إلى الامام باتجاه حله برغم علاقات العهد المميزة مع رأس النظام السوري وحليفه «حزب الله» المسؤولين عن تهجير النازحين السوريين إلى لبنان وغيره.