Site icon IMLebanon

العقلية الانقلابية

 

لم يترك الفريق الرئاسي أي مسافة ولو شكلية بينه وبين المسرحية التي قادتها القاضية غادة عون في موقعة شركة مكتف لشحن الأموال.

 

قد يعتقد المرء أنه يفترض أن يترك مسافة بينه وبين مهزلة الانحدار بالجسم القضائي إلى ما أوصله إليه تمرد القاضية المنفعلة، المدعومة بقوة من القصر، على قرارات مجلس القضاء الأعلى. وما تسرب عما قاله رئيس الجمهورية في الاجتماع الأمني أمس يشير إلى أنه كان على القوى الأمنية أن تترك الذين رافقوها من عناصر “التيار الوطني الحر” في باحة المبنى الذي اقتحمته بالكسر والخلع، طالما لم تأتِ لهؤلاء “أوامر بالانسحاب”، كما حصل أمام قصر العدل.

 

إذا كانت اللعبة المكشوفة اقتضت تجيير بعض المحازبين لمؤازرة العملية الاقتحامية، تحت مظلة حقوق المودعين المظلومين بسبب السياسات التي كان رجال القصر مسؤولين عنها كالآخرين من الطبقة السياسية، فإن تقصّد الموقع الرئاسي إبداء الملاحظات الأقرب إلى التأنيب للقوى الأمنية بسبب إبعادها هؤلاء عن مبنى الشركة، وضع الرئاسة في حالة تماهٍ كامل مع الاستعراضية التي سوّغت التمرد على مجلس القضاء الأعلى، وتقويض أسس المؤسسة التي يفترض صونها.

 

قبل 10 أيام، طالب الفريق الرئاسي في الاتصالات التي جرت لاستكشاف إمكان التوسط بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري لإحداث خرق ما في الفراغ الحكومي، بالحصول على وزارة العدل إضافة إلى الداخلية، فضلاً عن حق الرئاسة في تسمية الوزيرين المسيحيين فوق الثمانية التي فرضتها معادلة الثلاث ثمانات. وإذا كان من الطبيعي أن تحبط هذه المطالب جهود الوساطة تلك، فإن لسان حال العارفين بتفاصيل الاتصالات لأجل إطلاقها يسأل: إذا كان الفريق الرئاسي ينظم الحالة الانقلابية التي شهدناها في الأيام الماضية من دون التسليم له بتسمية وزير العدل، فأي حالة انقلابية سينفذ في حال حصل على مطلبه وفوقه وزارة الداخلية؟

 

فضلاً عن أن الاستعراض المعيب عزز القناعة بأن الفكر الانقلابي الذي يتحكم بعقل هذا الفريق ما زال يوجه تصرفاته، فإن المضحك المبكي أنه يسيّر التظاهرات ضد نفسه. ويطلق المتظاهرون الذين أرسلهم الانتقادات لسلطة قضائية عين رئيسها رئيس الجمهورية نفسه.

 

تحولت الاستعراضية التي أراد هذا الفريق من خلالها الادعاء بمحاربة الفساد، إلى نوع من الإرهاب على سلطة ينص الدستور على استقلاليتها. وفي ظل غياب حكومة تمسك بزمام الأمور تملأ الفضاء السياسي أخبار التدخل في الإدارات باسم النفوذ لإصدار قرارات وتنفيذ خطوات باسم سطوة الحكم…

 

لا يأخذ العبث السياسي إجازة ولو ليوم واحد مع هذا الفريق. حتى زيارة الحريري للبابا فرنسيس أشعلت عقول البعض منه. والسبب أن الحبر الأعظم بعث من وراء استقباله الرئيس المكلف برسالة واضحة: لن يزور لبنان إلا بعد تشكيل الحكومة. وهو أمر يخالف إصرار هذا الفريق على حصر أزمة التأليف بافتئات الحريري على حقوق المسيحيين، في وقت يدرك الفاتيكان أسباب التعطيل ويدحض استقباله الحريري الترويج لهذه التهمة. فسفيره وبكركي والوقائع اليومية تحكي القصة: فريق الرئاسة يخوض المعارك مع كل الأحزاب المسيحية وأولها حزب “القوات اللبنانية” الذي كان وراء ترجيح كفته للرئاسة، ويفتعل الاشتباكات مع المواقع المسيحية الأهم في الدولة، من قائد الجيش، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، إلى حاكم مصرف لبنان والمصارف، التي أكثرها بيد المتمولين المسيحيين، وصولاً إلى المزايدة على البطريركية من على درج بكركي. فالنائب جبران باسيل يكاد يشبّه نفسه بالمخلّص لأن كلمة الحق هي ما يصدر عنه…