بين الزيارة الميلادية الاولى للرئيس ميشال عون الى بكركي، قبل خمس سنوات، بعيد انتخابه بشهرين، وتلك الاخيرة هذا العام، بوصفه رئيسا للجمهورية، امور كثيرة تغيرت وتوازنات تبدلت، شكلا ومضمونا. ففي الاولى ومن منبر الصرح اطل مزهوّاً، وهو الواصل الى القصر الجمهوري على «صهوة اعدائه»، واعدا بالتغيير والاصلاح، قبل ان تنقلب الآية في السنة الثانية والثالثة، ليسمع من سيد الصرح «عتبا عا قد المحبة»، «متغديا اياه قبل ان يتعشاه» بجملة مطالب ، ناقلا اليه «نق وبق الشعب»، قبل ان يقاطعه في العام الرابع بحجة كورونا شكلا ، وتسجيلا لموقف اعتراضي على اصطفاف الصرح البطريركي في جبهة الثوار، ليعود اليها هذا العام بعدما «انفرط عقد العشاق»، وسط عزلة شبه كاملة لسيد العهد، ليسمع من الراعي «ان لا اصلاح ولا تغيير ولا من يحزنون».
البطريرك الراعي كان صريحا، فقالها لجنرال بعبدا «متل ما هي»، ناصحا «شيل غطاك الشرعي عن الحزب كرمال يلي باقي من العهد»، متناسيا ان «السيف قد سبق العزل»، فالاعراف التي كرست اليوم هي نفسها التي شارك التيار الوطني الحر في ارسائها زمن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة والتي ادت فيما ادت اليه الى فراغ رئاسي واتفاق دوحة اوصل العماد ميشال سليمان الى بعبدا.
زوار الصرح نقلوا عن سيده استياءه الشديد، بعدما بلغ التعطيل في البلد حدا لا يمكن السكوت عنه، في ظل المحاولات المستمرة لارساء اعراف دستورية تضرب اسس النظام اللبناني، وما تبقى من صلاحيات لبعض السلطات، والا كيف يمكن تفسير «وجود حكومة من دون مجلس وزراء ما يبيح التفرد بالقرارات الإدارية من دون رعاية الحكومة مجتمعة وموافقتها؟ حيث يبدو واضحا ان هناك من يريد أن يجعل الناس تعتاد غياب السلطات الدستورية وسائر مؤسسات النظام بغية اختلاق لبنان آخر لا يشبه نفسه ولا بنيه ولا بيئته ولا تاريخه ولا حضارته».
وتتابع المصادر «بالامس القريب، وتحت شعار الديموقراطية التوافقية، تم تحويل الثلث المعطل الى عرف في تشكيل الحكومات، وكذلك الميثاقية المذهبية، فسقطت المبادئ التي من اجلها قام اساسا مجلس الوزراء وليتحول الى اداة للتعطيل تعيق اعمال ومصالح اللبنانيين، متى اراد احد الاطراف ابتزاز الاطراف السياسية الاخرى، فيدخل بذلك البلد ومعه النظام السياسي حلقة مفرغة من «الكربجة»، قد يكون الهدف منها الذهاب الى تكريس كل تلك الاعراف بنصوص دستورية كما حصل في مرات سابقة كثيرة، مع تحويل التعطيل الى قواعد قانونية بدل البحث عن حلول من خارج توازناته، وهو بالتحديد ما تخشى منه بكركي اليوم، التي ترى ان ثمة من يريد ان ياخذ البلاد باتجاهه مع قرب نهاية العهد».
وكشفت المصادر ان البطريرك الراعي لم يكن على علم بخطوة رئيس الجمهورية ورغبته بان يصارح اللبنانيين في كلمة له، معربة عن اعتقادها انه وضع سيد الصرح في خطوطها العامة التي هي تكرار لما سبق ان اعلن عنه اكثر من مرة، وان احتفظت بعبدا لنفسها بالنبرة التي ستعتمدها واللهجة التي ستستخدمها.
انطلاقا من هذا الكلام الصريح والمباشر، تشير اوساط مطلعة الى ان الايام القليلة الفاصلة، ما بين الميلاد ورأس السنة، ستشهد اتصالات «جس نبض» لمحاولة رأب الصدع بين فريقي «العهد» و»الممانعة والمقاومة»، وردم الهوة بين اهل البيت الواحد، الذي بات صعبا نظرا الى التصعيد «البرتقالي» غير المسبوق في وجه «الاصفر»، وقد يكون رئيس الحكومة صادقا في توصيفه لهذا الواقع عندما لفت الى ان «الأمور هي حاليّاً على صورتها المعروفة وعلى حالها من الجمود»، وعليه «كلّ المبادرات الممكنة مؤجّلة إلى ما بعد عطلة الأعياد المجيدة».
وسط ذلك بدا لافتا ، قرار مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون، التي احالت الادعاء المقدم من قبل اهالي عين الرمانة ضد الامين العام لحزب الله، الى امن الدولة للتحقيق فيه، بعدما كانت اتخذت القرار ذاته في ما خص المقدم من اهالي الشياح ضد رئيس حزب «القوات اللبنانية»، ما طرح علامات استفهام حول الخطوة التي سبق للقضاء ان «نيّم الملف» بشأنها. فهل هو شد الحبال القائم بين الحليفين قد انتقل الى ساحة القضاء؟ ام هو مجرد مصادفة لا اكثر ولا اقل؟
في الانتظار، سكرة العيد انتهت قبل ان تبدأ حتى فكرته، مع ازدياد آلام اللبنانيين المعيشية، على وقع التساؤلات الكثيرة التي جوابها واحد في كلمة «الجنرال». فهل سنكون امام مرحلة جديدة حاسمة، عشية الاشهر الاخيرة للعهد، علما ان رئيس الجمهورية اكد أن «التغيير آت وسيحصل، وهذا التغيير سيكون فكريا وعمليا»؟ خصوصا ان المؤامرة الحقيقية تستهدف الانتخابات النيابية، ما دفع بالبطريرك الى التشديد، مرتين خلال يومين، على وجوب اجرائها في أيار المقبل، لتكون ضمانة لإجراء الانتخابات الرئاسية.
هو الاسبوع الاخير من الـ 2021 يفتتح على كلام رئاسي صريح، يمرر «الباس» لرئيس التيار الوطني الحر في اليوم الثاني من العام الجديد، ليرسم معالم وحدود التوترات أو الانفراجات التي سيعيشها العهد حتى ساعاته الاخيرة.