IMLebanon

اول غيث لقاء الرابية استفتاء شعبي للرئاسة

اللقاء المنتظر بين عون ـ جعجع حصل أخيراً، ولو متأخّراً 30 عاماً أو 27 على وجه التحديد. فما أراد المسيحيون رؤيته طوال الأعوام الماضية من مشهد تلاقي الرجلين ليس فقط «من أجل الصورة»، بل لبدء حوار جدّي يحمل مضموناً عميقاً حدث في الرابية، ما أثلج القلوب وخفّف الكثير من الإحتقان الذي كاد يصل بالمسيحيين الى حدّ الإنفجار. فالشغور الرئاسي الذي دخل عامه الثاني في 25 أيّار المنصرم، هو أكثر ما يُقلق المسيحيين في لبنان والشرق الأوسط، كما قداسة البابا فرنسيس الذي أوفد الكاردينال دومينيك مومبرتي لنقل رسالة عدم الإطمئنان هذه للقادة المسيحيين.

والثمرة الأولى لزيارة مومبرتي كانت لقاء رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع، على ما أكّدت أوساط ديبلوماسية عليمة، وإن كان التحضير له يجري منذ أشهر عدّة بعد أن وضع المقرّران النائب ابراهيم كنعان وملحم رياشي مسودة ورقة «إعلان النوايا»، فمّما لا شكّ فيه أنّها سرّعت في انعقاده بعد أن تأجّل من منتصف أيّار الفائت، كما قيل، لضرورات أمنية. وتأمل أيضاً خيراً من زيارة الموفد الفرنسي جان فرانسوا جيرو الذي يزور لبنان مجدّداً للغاية نفسها أي لتحريك الملف الرئاسي، وإن لم يكن يحمل مبادرة محدّدة ويلتقي وزير الخارجية جبران باسيل اليوم (الخميس) عند التاسعة صباحاً في قصر بسترس حيث سيُشدّد على تطلّع فرنسا الى بدء الحوار الفعلي بين القطبين المسيحيين الأبرز على الساحة المحلية، والى ضرورة استكماله بما يضمن انتخاب رئيس الجمهورية.

من المبكر لأوانه الحديث عن النتائج المرجوّة من اللقاء على المدى القريب، على ما قالت الأوساط نفسها، لكن إيجابيات عدّة برزت لدى انعقاده: الأولى أنّه حصل وهذا أفضل من أن لا يحصل أبداً، الثانية، أنّه أراح الوضع المسيحي الداخلي على الأقل في النفوس الشعبية قبل السياسية، وثالثاً خفّف من القلق الذي يخشاه الكرسي الرسولي على وضع المسيحيين في لبنان والمنطقة، وأظهر رابعاً للدول الأوروبية «المسيحية» تجاوب القادة المسيحيين مع دعواتها لضرورة الشروع في الحوار المسيحي- المسيحي، وهو لا يأتي بالطبع في مقابل الحوار الإسلامي- الإسلامي بين «تيّار المستقبل» و«حزب الله» بل مكمّلاً له. وما يُرتجى منه خامساً أن يُمهّد للتوافق المسيحي على إسم رئيس الجمهورية المقبل، وسادساً إبعاد خطر التهديدات الإرهابية عن المناطق الحدودية ولا سيما المسيحية منها.

أمّا الحديث عن أنّ لقاء الرابية قد أحدث سلبيات، لا سيما لدى الجهات المسيحية الأخرى، مثل الكتائب أو المردة أو الأحرار لناحية تصنيفه لقاء القائدين الأكثر قوّة على الساحة اللبنانية، كما أنّه لم يلقَ استحساناً ظاهراً من قبل «تيّار المستقبل»، فتجد الأوساط أنّ القاصي والداني على علم بالقوتين البارزتين على الساحة، ولا حاجة للقيام باحصاءات دقيقة حول هذا الموضوع. كما أنّ لقاء القطبين المسيحيين الأبرز لا يُقلّل من أهمية الأحزاب المسيحية الأخرى بل يدفعها للتنافس لتصبح الأفضل. والجميع يعلم بأنّها تصطف، بشكل أو بآخر،أ الى جانب أحد القائدين، كون كلّ منهما يُمثّل القوة المسيحية الأقوى ضمن الفريق السياسي الذي يتحالف معه، أو يُشكّل جزءاً أساسياً منه.

الصفحة القديمة بين الجنرال والحكيم إذاً طواها لقاء الرابية الى غير رجعة، وفتح الرجلان صفحة جديدة بدأت بورقة «إعلان النوايا»، على أن يستهلا العمل الحقيقي بعدها من أجل التطبيق، والتوافق الدائم والمستمر على بنودها كافة من الإلتزام باتفاق الطائف والعمل على تصويب مساره، الى الإلتزام بأحكام الدستور من دون انتقائية، فالمناصفة الفعلية وصحّة التمثيل النيابي، الى الشراكة الصحيحة وإعادة التوازن الى مؤسسات الدولة، الى تطبيق اللامركزية الإدارية، ودعم الجيش وبسط سلطة الدولة وحدها على كلّ الأراضي اللبنانية، وضبط الحدود واعتماد سياسة خارجية مستقلّة، واعتبار إسرائيل عدوّة والنزوح السوري قنبلة موقوتة، وصولاً الى انتخاب الرئيس القوي للجمهورية.

لقد وضع عون وجعجع في لقاء الرابية المسيحيين على السكّة الصحيح، والغلط أو الفشل ممنوع عليهما بعد اليوم، على ما أكّدت الأوساط فالآمال كلّها معقودة على تفاهمهما، وعلى ما سينجزان في المستقبل القريب بعد اللقاء الأول. والمطلوب ترجمة فعلية وعملية على الأرض لورقة النوايا، وذلك إثباتاً لحضورهما القوي، وإن أزعج هذا الأمر بعض الحلفاء والخصوم.

وأوّل الغيث من لقاء القطبين، على ما شدّدت الأوساط عينها، قد يكون الدعوة الى إجراء استفتاء شعبي بشأن رئاسة الجمهورية، هذا الإقتراح الذي سبق وأن طرحه الجنرال عون ولم يلق آذاناً صاغية له، أيّده الدكتور جعجع اليوم على أن يحصل ضمن القوانين والدستور، ثمّ التوافق المــسيحي على قانون الإنتخابات الأفضل كما على قانون استعادة الجنسية للمغتربين الذين يُطالبون بها. وإذا تمكّن الرجلان من التوصّل الى حلّ نهائي فيما يتعلّق بالاستحقاق الرئاسي، عندها يُقفل باب الذريعة أمام الجانح المســـلم في البــلد التي تقول بأنّ المسيحيين لا يمكنهم الإتفاق على اسم معيّن، وبأنّ الكرة في ملعبهم، ومتى اتفقوا فإنّ الأطراف الأخرى ستوافقهم الرأي.

أثبت لقاء الرابية أنّ الحوار هو الطريق الأسلم للتلاقي شخصياً وفكرياً ووطنياً، وجعل العلاقة الجديدة بين عون- جعجع تدخل مرحلة الإختبار. فكلّ يوم يلي اللقاء سيكون محسوباً على المكوّنين الأساسيين لدى المسيحيين، كما أنّ كلّ خطوة يقوم بها أحد الرجلين باتت مراقبة من الداخل والخارج، فهل يتعثّر أحدهما، أم أنّهما سيوصلان القطار الى المحطّة المنتظرة؟!