يطمح الوزير الشوفي غسان عطالله إلى أن يتمكن من إنهاء ملفّ المهجرين خلال توليه الحقيبة الحالية، وأن تغلق الوزارة من بعده في الحكومات المقبلة. التحديات كبيرة، أهمها كيفية إدارة العلاقة مع الزعامة الجنبلاطية
لم تترك الحرب الأهلية اللبنانية أثراً أشدّ فجاجةً من وزارة المهجرّين. 29 عاماً من «السلم» وأكثر من ملياري دولار من الأموال، لم تكفِ لطيّ صفحة التهجير والتهجير المضاد، ولم تكتمل العودة، ولم تعد مئات البيوت المحتلة إلى أصحابها.
لثلاثة عقود، بقيت وزارة المهجرّين «تجارة» موسميّة، لا تتحرّك ملفاتها إلّا على أعتاب الانتخابات النيابية، فتشترى الذمم بالتعويضات المستحقة وغير المستحقة. حتى الهوامش الأخرى التي تحوزها الوزارة، وتتشارك فيها مع وزارات أخرى، مثل الأشغال والطاقة، لجهة تنفيذ المشاريع الإنمائية وتعبيد الطرقات وحفر الآبار بهدف التحفيز على العودة، سُخرت جميعها في خدمة الانتخابات. في حين تمّ إهمال وظائف الوزارة الأخرى، بتشكيل المجموعات الأهلية وتشجيع المصالحات وإقامة ورش العمل في المناطق ودعوة المهجّرين إلى التفاعل مع أبناء القرى من المقيمين.
سأزور جنبلاط وتيمور في أقرب فرصة ممكنة (هيثم الموسوي)
اليوم، يأتي الوزير الجديد غسان عطالله، لتنفيذ ما أعلنته القوى السياسيّة عن نيتها إغلاق ملفّ المهجّرين إلى غير عودة. عطالله، الآتي من الأرض، ومن خبرة العمل في التيار الوطني الحرّ طوال 15 عاماً في جبل لبنان الجنوبي، ومن شبكة علاقات واسعة أبرزها مع الحزب التقدمي الاشتراكي، يخطّط، على ما يقول لـ«الأخبار»، لـ«تقديم نموذج جديد في وزارة المهجّرين». ابن بلدة بطمة الشوفية، يطمح إلى إنهاء كل الملفّات المتراكمة في الوزارة، وختم ملفّ التعويضات، عن التهجير وحلّ أزمة البيوت التي تزال محتلّة من قبل مهجّرين، وتسوية الأبنية التي لا تزال تذكّر اللبنانيين والسيّاح بحقبة الحرب الأهلية. والأهم، بحسب الوزير الجديد، هو السعي الجدي إلى إعادة المهجّرين إلى قراهم، وصولاً إلى «الهدف، أي إلغاء وزارة المهجّرين في الحكومات المقبلة».
ومع أن طموح الوزير كبير، لكن عطالله يدرك حجم كرة النار التي بين يديه. فالعودة قبل كلّ شيء «سياسيّة، وتتطلّب تفاهماً وهدوءاً على مستوى البلد، وليس المناكفة والصراع والتراشق الإعلامي». وثانياً اقتصادية، «كثيرون من المهجّرين لا يعودون إلى قراهم ليس بسبب ذاكرة الحرب، بل بسبب الحياة الجديدة التي أنشأوها في المناطق التي نزحوا إليها، وهذا الامر يتطلب جهداً كبيراً لإعادة تأهيل المناطق في البنية التحتية وتأمين الحوافز للعودة والمشاريع والضمانات الاقتصادية اللازمة لإقناع المهجّرين بالانتقال من المدن والسواحل إلى القرى».
في أيامه الأولى، بدأ عطالله بالعمل على الملفات السهلة وإكمالها، تمهيداً لمعالجة الكبيرة، «وضعت أمامي الهدف الأول وهو حلّ أزمة البيوت المحتلة»،. وعلى ما يقدّر فريق عمل الوزارة، فهناك حتى اليوم ما لا يقل عن مئة منزل لم تعد إلى أصحابها «بدأنا التواصل مع أصحاب الأملاك للانتهاء منها». ويؤكّد الوزير أنه «سنضع رقم اتصال سريع بالوزارة وبالوزير لتسريع الأعمال والانتهاء من الملفات بالتوالي». الخطوة الثانية التي ينوي الوزير تحقيقها، الانتهاء من تأهيل المباني التي لا تزال تذكّر بالحرب. فحتى اليوم، هناك عشرات المباني على خطوط التماس القديمة، والتي لا تزال واجهاتها تحتفظ بثقوب وندوب الرصاص والقذائف، وتأهيل تلك الوجهات بمعزلٍ عن داخلها، هو مهمّة وزارة المهجّرين.
المرحلة الأولى من العمل هي إغلاق ملفّ البيوت المحتلة من قبل مهجّرين
يبقى التحدّي الأكبر أمام الوزير، هو العمل على ملفّ العودة، وما يتطلبّه الأمر من نشاط سياسي ـــ اجتماعي ـــ اقتصادي، تحديداً في قرى جبل لبنان الجنوبي.
وهذا الأمر، لا يمكن أن يتحقق في ظلّ استمرار الصراع والتجاذب بين التيار الوطني الحرّ والحزب التقدمي الاشتراكي، الذي ساد السنوات الماضية، وتفاقم مع وصول الرئيس ميشال عون إلى سدّة الرئاسة. «أنا لم آتِ لفتح ملفات الماضي»، يقول عطالله. بالنسبة إلى الوزير، فإنه «واثق من قدرتي ومن تجاوب الزعامة الجنبلاطية للتعاون في هذا الملفّ لما فيه مصلحة الجميع في الجبل». على الرغم من التحريض والإشاعات التي طالت عطالله في مرحلة الانتخابات النيابية الماضية، عندما كان مرشحاً رئيسياً للتيار الوطني الحر في الشوف، إلّا أنه يؤكّد لـ«الأخبار» نيّته العمل جنباً إلى جنب مع كل المعنيين في الشوف وعاليه لإنهاء ملف المهجرين إلى غير عودة، «هذا هو الانجاز الأهم الذي إذا حققناه نستطيع أن نقول إننا تجاوزنا مرحلة الحرب». ويكشف عطالله عن نيته القيام بزيارة قريبة إلى النائب السابق وليد جنبلاط ولقاء النائب تيمور جنبلاط، لوضعهما في أجواء خطته للمرحلة المقبلة وسبل التعاون بين الطرفين، مؤكّداً لـ«الأخبار» إلى أن «يدي ممدودة للجميع، وواثق بأن جنبلاط يريد إنهاء هذا الملفّ بقدر ما نريد».