IMLebanon

عويدات يتّخذ قراراً تاريخياً وجريئاً… ولو متأخراً

 

 

لا شك في ان القرار الذي اتخذه مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات أمس والذي يحمل الرقم واحد، والقاضي بإطلاق سراح جميع الموقوفين في قضيّة تفجير مرفأ بيروت من دون استثناء ومنعهم من السفر، وجعلهم بتصرّف المجلس العدلي في حال انعقاده… جاء صحيحاً وحكيماً وصائباً، ولو ان هذا القرار جاء متأخراً، إذ كان من المفترض اتخاذه منذ زمن قبل هذا الوقت. وان يأتي القرار الصائب متأخراً، أفضل من عدم اتخاذه أبداً.

 

ولمناقشة هذا الأمر نقول: إنّ اتخاذ أي قرار قضائي، يفترض وجود معلومات دقيقة وخاصة بالقاضي، وأن تكون هذه المعلومات مبنيّة على حقائق ثابتة وأدلة صحيحة راسخة.

 

من هنا أنطلق لأقول إنّ مدعي عام التمييز كان مصيباً في قراره هذا رغم كل ما قيل وسيُقال حول القرار المتخذ. فإنّ أحداً، أو ربما جهة، لا تستطيع الحصول على هذا الكم من المعلومات حول مسألة التفجير المشار إليها وهاكم الأدلة:

 

أولاً: رئيس «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع قال ذات يوم: «إنّ دول العالم لم تساعدنا بإعطائنا معلومات دقيقة، لأنها لا تجرؤ على فعل هذا الأمر، خشية اصطدام مصالحها بإيران».

 

ثانياً: لِنَعُدْ الى مسلسل القتل والاغتيالات المتعلقة بالحادثة، لنذكّر بمن قتلوا وهم:

 

– اغتيال العقيد منير أبو رجيلي المسؤول السابق في الجمارك، إذْ وُجد مصاباً بضربة في الرأس في منطقة قرطبا… وتساءل الكثيرون يومذاك عن دوافع الجريمة.

 

– اغتيال العقيد الجمركي جوزيف سكاف عام 2017 والذي كان رئيساً لشعبة مكافحة المخدرات ومكافحة تبييض الأموال عندما دخلت الباخرة «روسوس» مرفأ بيروت. ونشير الى التناقض الذي حصل بين طبيبين شرعيين عاينا الجثة، فالأول أفاد بأنّ وفاة العقيد جاءت قضاء وقدراً (كذا)، والثاني أشار الى ان انزلاق العقيد سكاف ووقوعه لم يكن  عفوياً بل عمل مدبر.

 

– عملية اغتيال المصوّر جو بجاني يوم الاثنين الواقع فيه 21 كانون الاول عام 2020 وهو خارج من منزله مصطحباً ابنتيه لإيصالهما الى المدرسة. هذا الاغتيال… ألا يستحق التوقف عنده والبحث عن علاقة ما له بتفجير مرفأ بيروت، وما قيل عن صوَر كان المصوّر قد التقطها في المرفأ.

 

– اغتيال لقمان سليم الباحث والناشر اللبناني وهو في سيارته في قرية العدوسية في منطقة الزهراني. وهنا برزت أيضاً تساؤلات عدّة حول علاقة مقتله بكشفه أو اطلاعه على بعض المعلومات حول تفجير مرفأ بيروت.

 

إنّ جميع عمليات الاغتيال السابقة، وربما غيرها، يوجد بينها قاسم مشترك واحد هو «عملية تفجير المرفأ». وإنّ كل هذه العمليات ظلّت مجهولة الفاعلين…

 

وإذا ذهبنا الى أبعد من ذلك كله، فإننا نعود حتماً الى التهديدات التي كانت اسرائيل قد وجهتها قبل  عملية التفجير، وعلى لسان رئيس أركان جيش العدو. هذه التهديدات التي اعتبرت مرفأ بيروت انه بات غير مسيطرٍ عليه أمنياً، إذ بات يستعمل لإدخال وتخزين سلاح حزب الله… وذهبت التهديدات الى حد التهديد بعدم ترك المرفأ «سالماً» لأنه يشكل تهديداً مباشراً للدولة العبرية.

 

زدْ على ذلك كلام الأمين العام السيّد حسن نصرالله نفسه في كلمتين له: «إنّ التحقيق في تفجير مرفأ بيروت لن يصل الى معرفة الحقيقة»، ونصح السيّد المتضرّرين بالاسراع الى شركات التأمين لأخذ حقوقهم.

 

كلام السيّد حسن كان واضحاً بأنّ أحداً لن يستطيع الوصول الى حقيقة التفجير.

 

كما ان الاشارات الاسرائيلية بأنها فجّرت مرفأ بيروت بداية كانت واضحة ثم تمّ نفيها تالياً. وهنا لا يمكن إغفال ما قاله وزير الدفاع الاسرائيلي يومذاك بيني غانتس بأنهم سيضربون مرفأ بيروت والبنى التحتية في لبنان، كما لا يمكن إغفال التصريح اللافت لرئيس الوزراء الاسرائيلي في ذلك الوقت بنيامين نتانياهو عندما قال بعد التفجير: «لقد أصبنا الخلية المهاجمة، كما أصبنا الذين أرسلوها». ما دفع المحللين الى القول بعد هذا التصريح: إنّ إسرائيل هي التي فجّرت المرفأ.

 

نتيجة لكل ما تقدّم ذكره نستنتج بأنّ الوصول الى الحقيقة صعب، وإنّ التخبّط قد دخل الاستنتاجات القضائية… وهذا ما دفع مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات الى إصدار قراره، لأنّ هؤلاء المعتقلين أشخاص مظلومون…

 

قرار الرئيس عويدات قرار جريء وتاريخي… وإن جاء متأخراً، وبخاصة أنّ المرفأ – كما يعلم الجميع – كان تحت سيطرة كلية من قِبَل جهة ليست من هؤلاء الموقوفين أبداً.