IMLebanon

وزير الخزانة والعالِم أرخميدس

 

استمعت الى وزير المالية السيد غازي وزني، ثم فهمت ما قصده ورمى اليه من خلال اطلاعي على الصحف التي اوردت مداخلته في اجتماع العمل الذي ترأسه رئيس الحكومة في السّراي الكبير وضمّه الى عدد من الوزراء ورؤساء الهيئات الاقتصادية والصناعية والتجارة ورجال الاعمال.

 

وزير المالية الذي يعتبر قطب الرّحى في ظل ظروف البلد المأساوية على كل صعيد، وفي مقدمتها الانهيار المالي، والذي ملأ الدنيا ضجيجا وعبر شاشات التلفزة قبل 17 تشرين وبعده، فأطلق نظرياته المالية والاقتصادية التي اذا ما اعتمدت تخرج لبنان من ازمته المالية الخانقة، وتضع حدا لهذا الكابوس الجاثم على صدور العباد، وتمسك بالبلد الذي بات يقف على شفير الافلاس.

 

وزير الخزانة (بالاذن من وزير الخزانة الاميركي) اتحفنا برؤيته المالية، فبدى لنا وللوهلة الاولى وكأنه استعار من العالِم «أرخميدس» كلمته الشهيرة «وجدتها وجدتها» يوم اكتشافه وهو ينعم في البانيو قاعدة الانغمار الفيزيائية، بينما هو في الواقع يغرد بعيدا عن معاناة المودعين الذين تكتوي اعصابهم على اموالهم المنهوبة ويتصبب عرقهم وهم يقفون تحت اشعة الشمس على ابواب المصارف لعلهم يحظون (بالخرجية).

 

ناهيك عن ذلك، فوزير المال يوحي بإطلالاتها بانه ربيب العلّامة جون كينز، بل يفوقه، لأنه تتلمذ على ايدي الامام الغزالي وكتابه «المنقذ من الضلال».

 

أتحفنا الوزير وزني، بانه وجد الحلّ للخروج من الازمة بثلاثيته، فبدأ اولا باملاك الدولة التي يلف الغموض مختلف جوانبها، واضعا تقديراته عن حجمها وقيمتها عفو الخاطر وكيفما اتفق على طريقة «سنديك» التفليسة من دون ان يذكر لنا لا آلية التنفيذ ولا الوقت الذي يستغرقه تسييلها الى «Fresh Money»، ولا الجهات التي تنبئ بالشكوك حولها لإحكام قبضتها على هذه الاملاك، ولا نقول حيتانها.

 

كل هذا في اطار تقديرات الوزير غير المسندة الى الدراسة والتدقيق، ويجعل من نظريته هذه، كما هي طواحين الهواء، لا تغني ولا تسمن من جوع، لانها تحاكي الارتجال، وبمنزلة اطلاق الكلام على عواهنه بما يضعنا امام المستحيل، الا اذا استعنّا بعدد من الشركات الدولية اقران شركة لازار.

 

ثم انتقل الوزير الخبير ثانيا الى الحديث عن هيكلة الدين وهيكلة القطاع المصرفي، هذه الهيكلة التي باتت كالفزّاعة فوق رؤوس المودعين لانها هي من اكل الاخضر واليابس، وهي التي اوصلت المصارف الى الورم المالي الذي حظيت به، فتبخّرت أموال المودعين بتحويلها بسحر ساحر الى الخارج مع اموال الناهبين، وليس من مسؤول وعلى كل المستويات يجرؤ على مصارحة اللبنانيين عن حجمها ومصيرها وليس من شأن ذلك ان يضع علامات استفهام، بل هو عين الريبة حول الشخصيات المسؤولة ومن العيار الثقيل التي تشكّل الحاجز والحائل دون الوصول الى المعلومات التي تفضح المتسببين من هؤلاء بهذا الانهيار النقدي والاقتصادي.

 

اما ثالثة اثافي الوزير، التي اسقطها من حساب معالجته للازمة، فهي الاموال المنهوبة وافاض بالحديث عن اموال المودعين فتناولها بالـ«Haircut» وهي بالاحرى «Head cut» (قطع رؤوس) ذلك لأن قطع الارزاق من قطع الاعناق،

 

نعم، هذه الثلاثية التي اتحفتنا بها نظرية وزير الخزانة اللبناني، وكلها تحاكي المواسير الكاتمة لاصوات الرصاص، تطلق على الامال المعقودة على هذه الحكومة للخروج من الازمة.

 

وعود على ثالثة اثافي وزير الخزانة وهي لديه، على خلاف ما هو متعارف عليه، ليست ثابتة بل هي في مهب الريح، وكيف لا وهو في مداخلته لم ينبث ببنت شفة عن الاموال المنهوبة، وكأن النهب لم يجرِ وان اللصوصية لم تحصل وان دلّ هذا الامر على شيء، فانه يوحي بالارباك والتخبط وعدم الخبرة وان البناء عليه من شأنه ان يؤدي الى ما لا تحمد عقباه، كما هو الحال من يبني على شفا جرف هار.

 

ومن هنا، تدفعنا روائح نظرية الوزير لنستلهم اقوال العرب ومنها، انه اذا كان لكل من اسمه نصيب، فان الوزير غازي وزني ركز على غزو أموال المودعين وبدى ذهوله واضحا فنسي التوازن في تغييبه للاموال المنهوبة، وكأنه ومعه «الحكومة الرشيدة» لم يسمع ولم يسمعوا انين اصوات الشعب المقهور الذي خرج في 17 تشرين وامتلأت به ساحات لبنان من العاصمة الى جهاته الاربع طوال ثلاثة اشهر وكانت اولى سلّم اولويات الحراك الشعبي استرداد الاموال المنهوبة.

 

ان هذه الحكومة التي شكلت بحسب الضجيج الذي رافقها من خبراء واختصاصيين لهم باع طويل وفكر وقّاد من اجل معالجة الازمة، وايجاد الحلول لها امام امتحان عسير ومن غير المقبول ان ينسب عجزها عن النجاح فيه الى تكرار الحديث عن معزوفة التركة الثقيلة وعقود النهب والفساد، كل ذلك لن يعفيها من المسؤولية، ذلك ان اطلاق اللعنات على الظلام لا يشعل شمعة واحدة، وان التقاط كرة النار لحماية الرعية وصون حقوق الناس وحفظ اموالهم لا يقوى عليه الا الرجال الذين يمتلكون صفات ومواهب القيادة الرشيدة.