لم يعد هناك سبيل للحل إلا بتسوية سياسية تقوم على تنازلات
بما أنه لا شيء يعلو فوق صوت الرصاص، ها هي احداث غزة تسدل الستار ولو بشكل مؤقت على المشهد اللبناني الذي دخل مدار الترقب لما يجري من عدوانية إسرائيلية وما يواكب ذلك من اهتمام عربي ودولي لوقف التدهور غير المسبوق منذ العام 2014، والى حين جلاء الصورة فإن الوضع الحكومي في لبنان باقٍ في ثلاجة الانتظار وسط غياب لأي حراك داخلي أو خارجي في اتجاه إعادة الحياة إلى شرايين التواصل بين المسؤولين في سبيل إنهاء أزمة التأليف والولوج في ترتيب البيت اللبناني الداخلي ليكون في مقدوره مواكبة المتغيّرات التي يُمكن أن تطرأ في المنطقة نتيجة التسوية التي يعد لها في المطابخ الدولية للشرق الأوسط.
وإذا كانت عجلة الاتصالات الداخلية بشأن التأليف متوقفة بالكامل، فإن الساحة الداخلية شهدت في الساعات الماضية ضخ الكثير من الاخبار التي تتعلق حيناً بتوجه الرئيس المكلف سعد الحريري إلى الاعتذار وتحميل مسؤولية انسداد أفق التأليف إلى رئيس الجمهورية، وحينا باتصالات تجري مع الرئيس نجيب ميقاتي لتولي هذه المهمة، غير ان هذه الاخبار لم تستند إلى أية معطيات أو مؤشرات داخلية أو خارجية وبقيت في اطار الاشاعات التي هدفها تعبئة الوقت وجس النبض لا أكثر ولا أقل، وقد تواكبت هذه «الخبريات» مع معلومات تفيد بأن الرئيس الحريري ربما يبقى خارج البلاد الى نهاية الأسبوع، وهو ما يعني أن أفق التأليف لم يطرأ عليه جديد وباقٍ على حاله من الانسداد. وعلى الرغم من الجمود القاتل الذي يغلف ملف التأليف فإن العقوبات الأوروبية التي لوحت بها باريس وبعض الدول في الاتحاد الأوروبي هي في الطريق إلى التنفيذ في غضون أيام قليلة ما لم يطرأ أي جديد من شأنه أن يُبدل المشهد الحالي ويحول دون تنفيذ هذه العقوبات التي ستأخذ منحى تدريجياً لا أفق له، وهذا ما حمل رئيس الجمهورية ميشال عون على تحميل السفيرة الفرنسية التي التقاها الأسبوع الفائت رسالة إلى الرئيس مانويل ماكرون والتي لم يفصح عن مضمونها لا من قبل قصر بعبدا ولا من قبل قصر الاليزيه، وان كان البعض يضعها في خانة محاولة رئاسة الجمهورية تأخير الخطوة الأوروبية علّ وعسى أن تنجح الاتصالات التي تجري بعيدا عن الأضواء في كسر الجمود الحاصل والانطلاق في اتجاه ترميم جسور التواصل بين الأطراف المعنية لإنجاز الاستحقاق الحكومي.
وفي الوقت الذي تتوقع فيه مصادر سياسية ان يؤدي ما يجري في غزة إلى بعثرة الاوراق في المنطقة ومن ضمنها لبنان، بحيث تشكّل هذه التطورات الخطيرة حافزاً لذى المسؤولين للنزول عن شجرة الكباش والجلوس إلى الطاولة للتفاهم على توليفة حكومية قبل حدوث أي تطوّر غير موضوع في الحسبان يزيد طين الأزمات في لبنان بلة، قالت مصادر أخرى أن ما يحصل في فلسطين ربما يؤدي إلى انكفاء الملف اللبناني وذهاب المسؤولين في اتجاه انتظار ما سيجري قبل الاقدام على أي خطوة متعلقة بالشأن الحكومي من باب مراقبة مسار هذه الأحداث وتوظيفها في اطار تعزيز المواقع كل وفق نظرته لواقع الأمور، كما أن هذه المصادر رجحت أن يتوقف النشاط الدبلوماسي الذي كان قائماً في اتجاه لبنان للمساعدة في عملية التأليف والحث على ضرورة إحداث إصلاحات تعيد ثقة المجتمع الدولي بلبنان كون أن ملف غزة تقدّم على ما عداه من ملفات مفتوحة في المنطقة، وهذا الوضع يُشير إلى ان تأليف الحكومة بات معلقاً أكثر فأكثر على حبل التطورات الحاصلة والتي قد لا تنتهي في وقت قريب.
وتستغرب المصادر كيف أن إنسداد أفق التأليف الى هذا الحد، لا يحرك ولو قيد أنملة ضمائر المسؤولين عن هذا الملف، ويسارعون إلى التراجع عن السقوف العالية من المطالب، والتوجه إلى تبادل التنازلات التي هي قاعدة أساسية في الحلول للأزمات إن كانت هذه الازمات بين أفراد أو جماعات أو بين دول.
وتؤكد المصادر انه لم يعد من سبيل للخروج من نفق أزمة التأليف الا بتسوية داخلية، ترعاها الدول المعنية بالملف اللبناني، سيما وأن كل المحاولات والأفكار والطروحات بشأن الملف الحكومي قد سقطت على عتبة الثقة المفقودة بين المسؤولين من جهة، ومحاولة البعض التريث في التراجع عن أي موقف بانتظار بلورة المشهد الاقليمي الذي له بالغ التأثير على الواقع اللبناني من جهة ثانية.
وترى المصادر ان كل المعطيات الموجودة إن على المستوى الداخلي أو الخارجي في الظرف الراهن تؤكذ ان تأليف الحكومة لن يخرج من الدائرة المفرغة في القريب العاجل، وأن السجالات الجارية بهذا الخصوص ستبقى عقيمة ولن يكون لها أي وقع في مسار عملية التأليف لا بل ستزيده تعقيداً، من دون استبعاد عودة الحركة على خط الاتصالات في الأيام القليلة المقبلة، من منطلق أن ما يجري في المنطقة بات يُشكّل عاملا ضاغطاً يستوجب على أهل الحل والربط في ما خص عملية التأليف تقديم ما لديهم من تسهيلات لاحداث انفراجات على مستوى تشكيل الحكومة، وعدا ذلك فإننا سنكون أمام أزمة مختلفة تماماً عن أزمات سياسية حدثت في أعوام سابقة، ربما تصل إلى حدّ وضع المجتمع الدولي لبنان في الدرك الاسفل من الاهتمام وتقديم المساعدات وترك هذا البلد لمصيره يواجه آفة الجوع والانهيار.