وُصِف الاشتباك المسلّح في الشياح، قبل أيام، بالكبير، فهو أوقع جرحى وأحدث هلعاً بين السكان الذين ينعمون ببركة أحد المربعات الأمنية المشمولة برعاية الثنائي.
والاشكال وقع بين «مواطنين» مثلهم مثل بقية مواطني هذا البلد العظيم، وفق البيان الرسمي، سرعان ما تطوّر بين أفراد عائلة الجريح، وبين عناصر حزبية… وعلى الفور تدخلت وحدات من الجيش وطوقت المنطقة وأعادت الهدوء الى ربوع الحي، كما كان قبل الحادثة المؤسفة.
أمّا بلدية الغبيري التي يقع الحي وربوعه ضمن نطاق صلاحياتها، والتي تعود بمرجعيتها إلى التوافق والتراضي بين الثنائي، المنزعج على ما يبدو من تشويه سمعته، فقد أصدرت بياناً مغايراً، استأنس رئيس بلديتها بقاموس معارضي هذا الثنائي وسلوكياته، ليخطه بالحرف والنقطة والفاصلة. ودان إطلاق نار أرعب الأطفال، كما دان «مشهد الأمن المتفلت وزعامات الاحياء والزواريب»… والنكتة أنّه حمّل المسؤولية الكاملة عما حصل للقوى الأمنية التي لا تجرؤ على دخول أي مربع أمني من مربعات الحزب وحلفائه إلا بإذن من أولياء الأمور.
ولم يشرح لنا بيان البلدية سبب تفاقم ظاهرة «القمار» الموجودة في أحياء كثيرة من الغبيري وانتشارها، مع أنّ هذه المنطقة هي عقر دار «البيئة الحاضنة للمقاومة المؤمنة». والمفارقة كانت في مطالبة البلدية بتوقيف الرؤوس الكبيرة منها والصغيرة، التي تمد «أوكار القمار» بحاجتها من الممنوعات. كما أنّها تحمي «أعمالها» بالسلاح الذي لا يجرؤ أي كان على التعرّض له ولأصحابه.
فمنطق الأمور التي يعرفها الكبير والصغير في لبنان عامة، وفي «البيئة الحاضنة» تحديداً، أنّ هذه الرؤوس التي لا تشعر بالخوف من الملاحقة القانونية لأنّها محمية، ليس من السفارات أو من قوى المعارضة، وإنما من الأحزاب وأصحاب النفوذ المسيطرين على المنطقة.
والمهزلة أنّ البلدية تلوم القوى الأمنية على عدم ملاحقتها «الديوك الحزبية» التي تفرض الخوات، وكأنّها اكتشفت البارود، فالمعروف أنّ «الخوات» عادت وبقوة إلى مختلف المناطق التي يحمي ربوعها أحد ضلعي الثنائي العزيز.
وهي لم تعد توفر دكان سمانة أو صيدلية أو محل مجوهرات، وبالتأكيد، فارضو «الخوات» من زعران الأحياء المعروفين بالاسم والشهرة، يستقوون بمن يتبرأ منهم بيان البلدية، مع أنهم من عظام الرقبة… أو هم الرقبة والعمود الفقري للخط السائد الممانع.
وقمة المهزلة أنّ الطرفين، أي الذين يديرون «أوكار القمار»، ومن الجهات الحزبية التي اشبكت معهم، تبادلوا الاتهامات في إطار شرعنة حقهم باستخدام سلاح غير شرعي، والحصول على براءة ذمة وشهادة حسن سلوك لتبرير دورهم «البناء» في الاشتباك.
وفيما أصر «قائد المنطقة» على أنه يحمي أهالي الحي والقاصرين عبر محاولته إقفال «وكر القمار» الذي يقع «قرب المسجد» بالقوة، سارع أصحاب الوكر إلى التأكيد أنهم يديرون مركز تسلية، لا يخالف القانون، وأنّ سبب تبادل إطلاق النار هو رفضهم دفع الخوة.
وبالطبع لم تتوقف الجهات الأمنية عند هذه المعلومات، فهي من خصوصيات المربع الخاضع إلى «أمن المقاومة»، كما لم يرد أنه تم القبض على المتسببين بالاشتباك من فئة الرؤوس الكبيرة، التي تنتمي بصلة الدم إلى رؤوس أكبر، ما يجعل حتى فكرة ملاحقتها أضغاث أحلام.
أمّا بمن اتصل الجيش حتى يدخل المربع الأمني بعد الاشتباك وليس قبله وبعد سقوط الجرحى، فتلك مسألة فيها نظر… ولا تتعلق بضرورة إعادة المربعات الأمنية إلى سلطة شرعية لبنانية. فدور القوى الأمنية محصور بتنظيف مخلفات الاشتباك. وقطعاً سيبقى وكر القمار في مكانه «قرب المسجد» الى ما شاء الحاكم بأمر مناطق حكمه الذاتي… وبأمر الوطن من أقصاه إلى أقصاه.