تحوَّل لبنان سريعاً منذ العام 1948، وفي الأعوام الأخيرة، أرضاً خصبة لإيواء كل نازح ومشرّد وهارب من حروب الشرق الأوسط، في وقت يتقاعس المجتمع الدولي عن إيجاد الحلول السياسية والاقتصادية لتلك المشاكل المحورية.
قد لا يؤثر نصف مليون لاجئ فلسطيني على الأردن، خصوصاً أنهم أصبحوا من نسيج هذا البلد نظراً للرابط التاريخي والجغرافي والثقافي والديني بين الاردن وفلسطين، كذلك الامر بالنسبة الى سوريا التي أعطت الفلسطينين حقوقاً مدنية وسياسية واستخدمهم النظام السوري في فترات سابقة أداةً لضرب دول الجوار وعلى رأسها لبنان.
عاش لبنان التداعيات الثقيلة والأزمة الحقيقية للجوء الفلسطيني، لأنّ البلد الذي استضافهم وتعاطف مع قضيتهم، دفع الفاتورة الأغلى، إذ دخلوا عاملاً أساسياً في الحرب الأهلية، وباتت مقولة حركة «فتح» الشهيرة أنّ «طريق القدس تمر في جونية»، تستخدم في المراحل كافة، مهما تغيّرت الأدوات الزمنية والجغرافية.
طوى اللبنانيون والفلسطينيون تلك الحقبة السوداء من تاريخهم من دون إيجاد حلّ عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، خصوصاً أنّ معظم الدول والأحزاب نسيَت أو تناسَت قضية القدس وبات همّها في دمشق والزبداني وحلب والموصل وعدن. الأولويات تبدّلت لكنّ الشعب الفلسطيني ما زال يدفع ثمن السياسات الكبيرة واستغلال قضيته لأهداف سياسية تدخل في حساب بعض الدول.
تتمثّل المشكلة الحالية في عجز «الأونروا» عن تأمين ميزانيتها، إذ إنها تحتاج الى 100 مليون دولار، وهي تطلب 600 مليون دولار لتوزّعها على الدول الأربع التي تستضيف اللاجئين، أي لبنان، سوريا، الأردن وفلسطين (المخيمات الموجودة على أرض الضفة وغزة)، وتقسّم موازنتها وفق الآتي: 150 مليون دولار للمشاريع التنموية التي تخصّ اللاجئين، و450 مليون دولار لتأمين الخدمات الصحية والتربوية والاجتماعية كافة، وعجز الـ100 مليون دولار يدخل ضمن هذه النقطة.
تُحاول لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني برئاسة الوزير السابق حسن منيمنة طرح عمق المأساة على الدولة اللبنانية المشلولة أصلاً، ولهذه الغاية اجتمعت برئيس الحكومة تمام سلام وجالت على المسؤولين لوضعهم أمام مسؤولياتهم، ولتفادي كارثة إجتماعية في المخيمات قبل وقوعها.
وطلبت اللجنة مبادرة وزارة الخارجية الى التحرّك فوراً من أجل حضّ الدول المانحة على تأمين مبلغ 100 مليون دولار الناتج عن المصاريف الإضافية لـ»الأونروا»، بحيث تغطي الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي القسم الأكبر من النفقات، لكنهما دفعا على أساس الموازنة السابقة وليس على أساس المصاريف المتراكمة المطلوبة.
حتى الساعة، لم تقم الديبلوماسية اللبنانية بالعمل المطلوب منها على رغم محاولات الرئيس تمام سلام المتكررة عبر الاتصال بالسفراء، علماً أنّ مطالبة الدول المانحة بسدّ العجز ليست من مسؤولية لبنان فقط، بل تقع على عاتق دول الجوار، خصوصاً أنّ لبنان يرزح تحت أزمة النزوح السوري، ولم يعد يعرف أيّ أزمة أخطر عليه، فهو «يُسكّج» الوضع من جهة، لتنفجر من جهة أخرى.
تؤكد لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني أنّ الوضع الاجتماعي في المخيمات الفلسطينية مُقبل على كارثة، لكنّ لبنان الدولة لا يستطيع تغطية فَرق النفقات لأنه في الأساس غير قادر على تأمين مصاريف البنية التحية للبنانيّين وزيادة الرواتب للموظفين للتعويض عن غلاء المعيشة.
وحتى لو دفع لبنان فَرق المبلغ المطلوب من «الأونروا» فإنّه يسجّل بذلك سابقة خطيرة في تكريس اللجوء الفلسطيني كجزء من الموازنة العامة لمالية الدولة، وبالتالي يفتح الباب أمام التوطين المبطّن، ويكون قد تحمّل ظلماً دفوعات على المجتمع الدولي واجب عليه تحمّلها.
لكنّ الكارثة الأكبر تتمثّل في الخوف من انفجار بعض المخيمات الفلسطينية أمنياً، وعلى رأسها مخيم عين الحلوة الذي يحتاج معالجة سريعة. فمن جهة تنشط الإتصالات السياسيّة التي تقودها النائب بهية الحريري، ومن جهة ثانية تحاول السلطة الفلسطينية، مُمثلة بحركة «فتح»، ضبط الوضع الأمني وإنقاذ المخيّم من خضّة أمنيّة، وقد شكّل الواقع الأمني للمخيمات إضافة إلى أزمة «الأونروا» أبرز نقاط المحادثات التي يجريها عضو اللجنة المركزية في «فتح» والمشرف على الساحة الفلسطينية في لبنان عزّام الاحمد مع المسؤولين اللبنانيين.
أمّا الجيش اللبناني فلا يُسقط من أجندته إتّباع الحلّ الامني عبر إجراء عمليات نوعيّة، أو دخول مخيم عين الحلوة إذا إضطّر الأمر، لكنّ الاولوية تعطى للمعالجات السياسية.
لا يستقرّ الوضع في لبنان إلّا في إيجاد حلّ نهائي لمشلكة فلسطين، لتستقرّ معها المنطقة بأكملها، لكنّ الأزمة السورية باتت هي الأساس بينما تحوّلت فلسطين الى قضية ثانوية، وفي الملفين الفلسطين والسوري لبنان دولة تتأثّر سلباً، ولا تؤثّر.