Site icon IMLebanon

كتلة البرلمانيين الأشباح: انتُخبوا فلبسوا “طاقية الإخفاء”

 

 

«تقدّم إلى الوسط… تكلّم حتّى أراك». تحمل هذه العبارة السقراطية في مضامينها، فلسفة نشوء الديموقراطيات القديمة «النقيّة» في أثينا، أو ما يعرف بالمباشرة، حيث كان يجتمع «الرجال النبلاء الأحرار» حصراً في إحدى الساحات والمسارح لاتخاذ قرارات الحرب والسلم، ولإصدار القوانين الناظمة للعلاقات الإجتماعية والاقتصادية. صحيح أنّ هذا النموذج ولاعتبارات متصلة بسيرورة التطوّر، تمّ إستبعاده تاريخيّاً ونهائيّاً لصالح الديموقراطية «التمثيلية» عبر انتخابات، ينوب فيها النائب عن الشعب، حافظت المجالس النيابيّة الحديثة على مبدأ سقراط، فأصل كلمة «برلمان» يعود إلى الفعل الفرنسي parler، أي تحدّث، ناقش، حاور…

 

فيما يُسجّل برلماننا الكريم منذ نشأته حتى اليوم، قامات نيابية ألمعية، تركت بصماتها في التشريع وسنّ القوانين والخطابة، أمثال: إدوار حنين، لويس أبو شرف، إدمون رزق، إدمون نعيم، حسين الحسيني وحسن الرفاعي، بهيج طبارة، بهيج تقي الدين، نصري المعلوف، ألبير مخيبر، أوغست باخوس، نسيب لحود، بطرس حرب، نقولا فتّوش وغيرهم. عرفت مجالسنا الحالية والسابقة، نوّاباً يتكلّمون، يكدّون، يشرّعون، يقتحمون «ديكتاتورية» المجلس المتفلّت من ضابطه الدستوري، يطرحون المشاريع وينتقدون التجاوزات. بعضهم نسمعهم، نراهم في المناسبات ثم يختفون. أمّا الأخرون فدخلوا زمن الصوم والصمت باكراً، متذرّعين لو عن غير قصدٍ ومعرفة، بقول دوستويفسكي (الذي ردّ فيه على سقراط بعد أكثر من ألفي سنة): «قد يكون في أعماق المرء ما لا يُمكن نبشه بالثرثرة، إياك أن تظنّ أنك عرفتني لمجرّد أنّي تحدثّت إليك».

 

ليس المطلوب سعادة النائب كثرة الكلام، أو أن تكون كارزاً بليغاً ومفوَّهاً. أنت ممثل الشعب، ومن أبجدية العمل البرلماني وبديهياته أن تكون صورته ولسانه قبل أن تتمّم واجباتك الإجتماعية معه في الأفراح و»العزومات» و»العزوات»، أو أن تزور هذه الوزارة وتلك طلباً للخدمات المحلية (على أهميتها) مستعيراً أدوار رؤساء البلديات. أنت عضو في مجلس النوّاب، لا في المجالس البلدية والإختياريّة.

 

سنتان على الإنتخابات النيابية الأخيرة التي وقعت عقب انتفاضة شعبية عارمة صدحت أصواتها في كل البلاد ووصل صداها إلى العالمية. بعد تفجير مرفأ بيروت الذي هزّ الضمائر والوجدان. في زمنٍ موغلٍ في البؤس والمعاناة وصيحات الألم والوجع، يُصبح فيه الصمت إذا لم نقل جريمة، تخاذلاً وتكاسلاً. وقبل عامين من انتهاء ولاية هذا المجلس (إذا لم يُكتب له التمديد)، نسأل كما الرأي العام عن بعض النوّاب: أين أنتم؟ نسأل من باب الحرص والمساءلة وحقّ المواطن (مصدر السلطات) في ترصّد ممثّله (السلطة التشريعية)، مثلما يحقّ للأخير مراقبة واستجواب الحكومة (السلطة التنفيذية). وتجدر الملاحظة هنا، أن أخذ عيّنة من النواب لا تعفي الآخرين، وأنّ المتكلمين واللامعين لا يعني أنّهم على السراط النيابي المستقيم. فعلى سبيل المثال لا الحصر،

 

سطع نجم نائبة بيروت سينتيا زرازير (التي فازت بـ486 صوتاً) بسبب المشاغبات التي تعرّضت لها من قبل بعض النوّاب، أو بسبب تسريبات صوتية تنتقد فيها إحدى زميلاتها. ماذا عن عدد مشاريع القوانين التي تقدّمت بها؟

 

هل سمعنا/سمعتم، أو قرأتم ما يقوم به هؤلاء النوّاب من نشاط برلماني تشريعي: ملحم الحجيري (دائرة البقاع الثانية)، محمد يحيى، محمد سليمان، أحمد رستم الذي نال 324 صوتاً (دائرة الشمال الأولى)، جميل عبود (دائرة الشمال الثانية) الذي فاز بـ79 صوتاً، إذ تُفتّش إحدى صفحات طرابلس عنه: «وينك؟ سافرت؟ أين الإنقاذ الذي تحدّثت عنه؟» الجدير بالذكر أنّه لولا بعض صوره التي نُشرت عبر صفحات التواصل الإجتماعي قبل نيابته وهو يتناول الطعام بشهية، أو يمسك بإكليل على شكل قلبٍ من الورود الحمراء، أو بعض الأبيات الشعرية الرومنطقية، لما عرفنا أنه عضو في مجلس النوّاب اللبناني الموقّر.

 

أمّا النائب المُبطلة نيابته فراس سلّوم الذي فاز بـ370 صوتاً عن دائرة الشمال الثانية، فلم يحالفه الحظّ لتثبيت حضوره النيابي من عدمه، إذ لاحق الصمت خلفه النائب حيدر ناصر، الذي ما فتئ أن «طنّ» إسمه عقب الطعن بسلّوم، حتى لبس «طاقية الإخفاء». الملفت في هذا الموضوع، هو أن هؤلاء النوّاب، يتحرّكون وينشطون ويطرحون ما في جعبتهم على قدر الأصوات الضئيلة التي سقطت في صناديقهم.

 

ختاماً، وإنصافاً لهؤلاء، من المجحف أن نُحمّل غيابهم هذا السقوط العظيم للجمهورية البرلمانية اللبنانية، كما أنّ محاسبتهم من مسؤولية الشعب الذي انتخبهم، فهو من يجدّد الوكالة لهم أو سحبها في الإنتخابات المقبلة (كما أنتم يولّى عليكم). في المقابل، حضرة النائب، أنت لستَ عضواً في جماعة رهبانية نسكيّة. أترك التأمّل للمتصوّفين. تقدّم إلى الوسط، تكلّم، كي نراك، كي نحفظ إسمك ونسجّله في الذاكرة، أقلّه لدى أبناء دائرتك، فبعضهم لا يعلمون أن هذا النائب او ذاك انتُخبا عنهم. لا تخرج كأنّك لم تدخل أصلاً أو أن لا نشعر بغيابك.