لا يلتقي لبنانيّان إلا ويتحدّثان عن نظّارة DolceـGabbana التي كان مصطفى بدرالدّين يخفي وراءها عينيه في صورته المنشورة بعد اغتياله، أو يطرحان السؤال: «هل مات فعلاً أم أنّ الصندوق كان فارغاً»؟! يَكادُ أحدٌ لا يُصدّق إعلان نبأ مَقتل مصطفى بدرالدّين، وبالتأكيد لهذا التساؤل وعدم تصديق رواية موته أسباب كثيرة، وأوّلها بالتأكيد وصفه بـ»الشّبح»، والمساهم الأوّل في تكريس هذه الصورة «السوبر مانيّة» عن بدرالدّين، والحقيقة أنّ عجز الدولة اللبنانيّة واستنكاف القوى الأمنية والجيش اللبناني ومخابراته عن القيام بدورهم ومنع إقامة الدويلة ضمن الدولة، وإظهار هؤلاء مجتمعين بتواطؤ من معظم السياسيّين، كلّ هذه اجتمعت لتكريس «الشّبحية» كصفة لبدرالدّين و«الثعلبيّة» كصفة لزوج شقيقة عماد مغنيّة…
لم يكن مصطفى بدرالدّين شبحاً، ودليلنا على ذلك مكوثه في السجون الكويتيّة أكثر من سنوات سبع، إذ تمّ اعتقاله في الكويت مع 17 مشتبهاً فيهم بعد شهر واحد من تنفيذه سبعة انفجارات إرهابيّة في الكويت وقعت في يوم واحد في 13 كانون الأول من العام 1983، ومعروف أنّ المساعد الشخصي لصدّام حسين تولّى إخراجه من السجن في صفقة صدّامية ـ إيرانيّة، علّ إيران تغضّ النظّر عن احتلال صدّام حسين للكويت!!
وهنا ثمّة مفارقة تستحقّ التوقّف عندما في نعي حزب الله لمصطفى بدرالدّين، إذ لا يذكر الحزب أي تاريخ له قبل العام 1982 عند بدء نشاطه مع حزب الله، أمّا قبلها فكأنّ بدرالدّين جاء من الفراغ إلى حزب الله، مع أنّه وقبل انتقاله إلى صفوف ميليشيا جديدة صاعدة هي»حركة أمل الإسلاميّة» عمل بدرالدّين في صفوف فرقة أمن الـ 17 في ميليشيا منظمة فتح، وهذه الـ 17 مثيرة لسخرية الزمن اللبناني الرديء في السبعينات يوم كانت الدويلة الميليشياوية الفلسطينية تحكم لبنان، وكان في قوى الأمن اللبناني فرقة أمنيّة ضاربة تحمل الرقم «16»، فنبتت قبالتها فرقة أمن الـ 17 إمعاناً في إهانة هيبة الدولة اللبنانيّة الأمنيّة، ولم يكن سرّاً أنّ «معلّم» عماد مغنيّة ومصطفى بدرالدّين هو أبو جهاد «خليل الوزير» أحد أهم قيادات منظمة فتح وجناحها المسلح…
وللمفارقة، يطمس حزب الله تاريخ مصطفى بدرالدّين مع المنظمة الفلسطينيّة عن تصميم وإصرار وتعمّد، فأهل الجنوب الذين ذاقوا الأمّرين من انتهاك الفلسطينية لأرضهم وعرضهم، لن يبتلعوا سهولة انتقال جهاد مغنيّة ومصطفى بدرالدّين إلى الجانب الإيراني، منعاً لشُبهة نقل البندقيّة من كتف إلى كتف، ولأنّ الميليشيات الفلسطينية لم تكن يوماً في أرض لبنان على طريق القدس، بل كانت طريقها تمر في القرى الجنوب وفي جونية وفي الفاكهاني مقرّ الفرقة التي خدم فيها «الشبح» و»الثعلب»!!
ومن المفارقات أن يكون «الشّبح الإيراني» بحسب ما نقلته صحيفة لبنانية «قتيل الصدفة» إذ نقلت الصحيفة عن جهات اطلعت على مقتله أنّه كان يتحضر للنوم في مركز للحزب يقع في محيط مطار دمشق الدولي، كان يستريح ويدخّن النرجيلة، واستهدف مسلحون من المعارضة المركز بقذيفة صاروخية أدت الى انهيار جدار من الغرفة التي كان فيها وأصيب بشظيّة في رقبته من دون تضرر باقي اعضاء جسمه وتوفي على الفور وأصيب مرافقيه بجروح طفيفة، وأنّه قتل من طريق المصادفة»…
الشّبح كان يُدخّن النارجيلة وأصابته شظيّة في رقبته، لا مات في ميدان ولا مات في اغتيال، «مات وهو يُدخّن النارجيلة»، سبحان ربِّ العزّة }وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ{… }إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ{، صدق الله العظيم.
* تأسس الجهاز الأمني المسمّى القوة 17 بداية السبعينيات لحماية «أبو عمّار» الراحل ياسر عرفات وغيره من قيادات منظمة التحرير، هنالك عدة آراء حول سبب تسمية الجهاز بالقوة 17: فتقول إحدى الروايات إن إحدى الوحدات العسكرية الفلسطينية التي شاركت في معارك أيلول 1970 بين الجيش الأردني والفدائيين الفلسطينيين لم يبق من عناصرها البالغين 169 مقاتلا سوى 17 شخصا وقد توجهوا إلى لبنان وأقاموا في حارة الناعمة وسماهم الرئيس الراحل ياسر عرفات في إحدى مذكراته القوة الـ17. وفي بداية عام 1972 صار مكتب هذه المجموعة في حي الفاكهاني بطريق الجديدة في بيروت وأصبح يعرف باسم الـ17. والبعض يرجعه إلى رمزية الرقم 17 الذي يشير في ذاكرة الفدائيين إلى السبعة عشر فلسطينياً الذين سقطوا في 21 آذار 1968 في معركة الكرامة ذات القيمة الرمزية في تاريخ المعارك الفلسطينية الفدائية. وقد جمعت القوة 17 في فترات سابقة بين العمل المخابراتي وبين النشاط العسكري، ومنذ قيام السلطة الفلسطينية سنة 1994 تم دمج القوة 17 ضمن ما بات يعرف بالحرس الرئاسي.