Site icon IMLebanon

الغوطة والكراهية والإنتخابات

 

يوم الخميس 22 شباط إحتفلت الغوطة الشرقية لمدينة دمشق، قلب العروبة النابض، بالذكرى الستين لميلاد دولة الوحدة العربية بين سوريا ومصر عام ٥٨. وكان الإحتفال مهيباً حيث توحّد اهالي الغوطة تحت القصف والقتل والدمار، وانتقلوا من القبور الفردية إلى المقابر الجماعية، وتداخلت البيوت مع المقابر وحفرت الأنفاق بين أحلام الماضي وكوابيس الحاضر. وارتفعت رايات الوحدة والحرية والإشتراكية فوق جثث النساء والشيوخ والاطفال. كان الاحتفال بذكرى الوحدة العربية استثنائيا حيث تلقّى أطفال الغوطة الدمشقية السعداء رسائل التهاني والتبريكات بهذا اليوم العظيم من أشقائهم أطفال اليمن السعيد وليبيا المختار وعراق الحضارة والإبداع ،حيث ضاقت هناك المنازل بالأطفال واحلامهم فنزحوا الى البوادي ليسكنوا في خيم الترحال والنزوح والتشرد على خطى الاجداد من العرب القدماء.

ان يوم ٢٢ شباط من العام ٥٨ كان محاولة في صناعة الامل بين الشعوب العربية، وقد بقيت ذكرى الوحدة علامة فارقة في الوجدان العربي لرمزيتها في تجسيد إرادة التلاقي والتكامل وصناعة الامل لاطفالنا وشعوبنا، وهو نقيض ما عاشه أطفال الغوطة الشرقية يوم الخميس في ٢٢ شباط ٢٠١٨، حيث كانت الكراهية تفكّك المجتمعات وتقتل الاطفال وتفرّق بين ابناء الوطن الواحد والعائلة الواحدة، وتجعل من الامن والاستقرار ولمّ الشمل هدفاً بعيد المنال.

ان يوم ٢٢ شباط اللبناني ليس اقل مأساوية من يوم الغوطة الدمشقية، فاللبنانيون يعيشون حالة من الكراهية الوطنية الشائعة عشية الانتخابات النيابية، فتشكيل اللوائح يقوم على اساس الكراهية بين الافرقاء، والناخبين يتحركون على اساس «سأنتخب فلان لأنّي أكره فلان»، وسيفوز الفريق الاقدر على كراهية الآخرين، وسيتمّ الإعلان عن نظام كراهية نسبي صنع في لبنان وعلى قاعدة انا اكره يعني انا موجود.

لا بدّ من الاعتراف بخطورة موجة الكراهية التي تجتاح لبنان والتي تفتك بكل اسباب الوحدة الوطنية بين ابناء الوطن الواحد والطائفة الواحدة والمنطقة الواحدة، وداخل الأسر والقرى والبلدات. وتفرق بين الرفاق والاصدقاء وخير دليل هو ما خسرناه خلال ساعات من عناصر التواصل والحوار واسباب الاستقرار الاجتماعي الهش في لبنان ، بالاضافة الى خطورة التداخل المريب بين النقد والحقد حيث يصبح من الصعب التمييز بين الضحية والجلاد وفي ظل حالة من الموت السريري للروح الوطنية الجامعة.

ان صناعة التماسك الاجتماعي عملية بالغة الصعوبة وتحتاج الى إرادة صلبة وروح متسامحة ومحبة عالية على قاعدة سأحبكم رغماً عنكم، وهي كذلك في صناعة الأصدقاء التي تحتاج الى سنوات من الثبات والعناية والكرم وقبول الاخر والاقرار بضرورته، تلك الصداقات التي تموت بجرعة صغيرة جدا من الكراهية في لبنان. وكذلك هي الدول والمجتمعات تبنى على الثبات والتراكم والإنجاز والمودة والتضحيات، ويسهل تدميرها ايضا من خلال انتشار الكراهية والاحقاد بين ابناء المجتمع والدولة الواحدة كما يحدث الان في انتخابات لبنان ومجازر الغوطة الشرقية لمدينة دمشق عشية الخميس ٢٢ شباط الذكرى الستين لميلاد الوحدة العربية الفكرة العزيزة والاصدقاء الأعزاء.