IMLebanon

«غيبون» الأسد والهجرة نحو الاستعمار

«غيبون» الأسد والهجرة نحو الاستعمار

«سأختار شعبي، سأختار أفراد شعبي سأختاركم واحداً واحدا من سلالة أمّي ومن مذهبي« (محمود درويش)

لا أظن أن وقت حافظ الأسد كان يسمح له سنة بحضور مسرحية «ناطورة المفاتيح» عندما عرضها الرحابنة في مسرح معرض دمشق الدولي. كان يومها منشغلاً بوضع قواعد حكمه للأبد مهما كلف الامر، ولكن حتى لو حضر المسرحية فقد كان على الأرجح سيعتبر أن طاغية المسرحية الملك «غيبون» حاكم مملكة «سيرا» لا يشبهه بشيء، مع أن العقود التي تلت أكدت أن الطاغية الإفتراضي في المسرحية سيكون مجرد تلميذ في حضانة مدرسة الأسد الوحشية.

في المسرحية ضاق ابناء المملكة ذرعاً بظلم وعسف الملك المهرج المزاجي الذي كان يعتبر أنه معبود الشعب مع أنه كان يعتبر أن كل فرد من أفراد هذا الشعب يدبر محاولة لاغتياله، ولكنهم صبروا رغم كل ذلك حفاظاً على بيوتهم التي كانت تؤويهم وزرعهم الذي كان يأخذ الملك نصف محصوله، ومواشيهم التي كانوا يدفعون الضرائب له من حليبها. لكن الشعرة التي قصمت ظهر البعير كانت عندما قتل حراس الملك رجلاً طيباً اسمه «ديك المي» فاتهمه غيبون بأنه حاول اغتياله. 

هنا قرر المواطنون هجرة المملكة بشكل جماعي تاركين مفاتيح بيوتهم مع «زاد الخير» تلك المرأة التي أصبحت «ناطورة المفاتيح«.

الرحابنة كانوا يحبون النهايات السعيدة لظنهم أن النفس الإنسانية مهما ظلمت يبقى فيها بعض من الخير الذي يطغى في النهاية. من هنا تاب الملك وعاد شعبه ليعيش تجربة عدل بعد أن أدرك الحاكم أن لا قيمة له من دون شعبه. 

وريث حافظ الأسد لا يعرف النهايات السعيدة، فهو خبيث وشرير حتى آخر أنفاسه، لقد قرر هو نفسه تهجير شعب سوريا، أو على الاقل كل من يشك بانه يعد محاولة لاغتياله، أي أكثر من نصف الناس. أما من بقي منهم فقد قرر تهجير أرواحهم من أجسادهم قتلاً وقصفاً وغازات سامة. 

منذ بدايات القرن العشرين أخذت شعوبنا بفكرة حق تقرير المصير وأصبحت «الفلسفات» القومية الالغائية الشغل الشاغل لعالمنا. مع كل ذلك أصبح الإستعمار الأجنبي (أي الغربي) يمثل الشيطان الأكبر، والجنة كانت في وطن مستقل يحكمه «ابن الشعب». صبر الناس على الفقر والتعب لمجرد أنه أزاح ذل الإستعمار عن كاهله، لكن الذل والهوان المفروضين من الحاكم الوطني تفوقا بدرجات لا تحصى عما كان الإستعمار يفرضه.

اليوم أصبح نضال الشعوب معكوساً فبدل التضحية إلى حد الاستشهاد للتخلص من الإستعمار، نرى الآلاف من المواطنين يسعون براً وبحراً ويسقط لهم شهداء معظمهم من الأطفال في سبيل العودة إلى حضن المستعمر السابق. 

()عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل»