لا شيء يزاحم «الصفقة الرئاسية» التي تضمن دخول ميشال عون الى القصر الجمهوري بعد 26 عاما من إخراجه منه.. وعودة سعد الحريري الى السرايا بعد نحو ست سنوات من إسقاط حكومته، سوى «ادوار» جبران باسيل ونادر الحريري في صنع «المعجزة».
بغضّ النظر عمّا ذهب اليه الرجلان من اتفاقات شفهية أو مكتوبة تردّد أنها عبّدت الطريق أمام «إعلان» بيت الوسط، فإن الفترة الزمنية التي فرضت إعادة تنشيط التواصل بين وزير الخارجية ومدير مكتب الرئيس الحريري منذ بدايات حزيران وصولا الى «لقاء ايلول» في باريس لم تكن كافية للقول كما أشيع بأن «جبران ونادر صارا من أعزّ الأصحاب».
الشائعات المختلطة بالحقائق، صوّرتهما كـ «رجلَي ظل» للعهد المقبل وجمعتهما، بالقوة، في كادر واحد على طاولة «البيزنس» كما توزيع المغانم والحصص والصفقات في العهد الجديد، وانتهت بـ «تطويبهما» الأقدر على تغيير المسارات حيث لا يجرؤ الآخرون.
شكّل لقاء باريس في كانون الثاني 2014 ين ميشال عون وسعد الحريري بداية مشروع التلاقي الجدّي والنقاش بين باسيل من جهة وغطاس خوري ونادر الحريري من جهة أخرى. يومها عاد «الجنرال» من العاصمة الفرنسية بشبه قناعة بأن «رئيس تيار المستقبل» صادق معه وسيسعى فعلا لتكريس مفهوم الشراكة في الحكم.
ترك بعدها لجبران ونادر أن يحوكا بإبرة الصبر والاستيعاب مشروع تبنّي الحريري لعون رئيسا يوم كان الاول أقلّ رغبة بـ «الجنرال» لكن أكثر قدرة على تسويقه، لكن الرهان البرتقالي انتهى بترشيح «الشيخ سعد» لسليمان فرنجية.
مرحلة شهدت بعدها جفاء بين الشابين لكن ليس قطعا للجسور التي أعيد ترميمها بقوة منذ بدايات رمضان الماضي مع التسليم بواقع «ان الحريري صار أكثر رغبة بعون لكن أقل قدرة على فرضه».
بعدما غادر الحريري لبنان في إجازة استمرت أشهرا مرّر كلمة السرّ التي نقلها نادر لباسيل «سأعود وقد حسمت أمري». كان الامر كافيا لإعادة ترميم جسر الكلام البنّاء بين نادر وجبران وتنشيط «الواتساب» والبريد الالكتروني واللقاءات المباشرة والاتصالات الهاتفية.
لا يمكن الافترض ان سعد ونادر من محبّي جبران باسيل، لكنهما فتّشا عن الأقدر والأصلب في فريق عون فلم يكن أمامهما سوى خيار الـ «سوبر وزير»، وطبعا بتزكية مباشرة من عون. رأي سعد ونادر بجبران واحد «ذكي ومناور والأقدر على الإمساك بالملفات». لكنّ ثمة تسليما في «بيت الوسط» بواقعة أنه «برغم كل أزمات سعد الحريري فرئيس «تيار المستقبل» لا يزال صاحب القرار. أما في الرابية فجبران باسيل شريك مضارب في قرار ميشال عون»!
بعكس وزير الخارجية العاشق للإطلالات الإعلامية والجماهيرية، فإن النجل الأكبر لبهية الحريري شخصية ظلّ بامتياز. کاتم أسرار سعد الحريري السياسية والشخصية و «مستودع الثقة» الاول لديه. ابنا العمّة تربّيا سويا في فيلا بهية الحريري في صيدا، الى ان غادرها سعد إلى الرياض في العام 1982، مع العلم ان الأخير يكبر نادر بست سنوات. الاثنان يقطنان في «بيت الوسط» بفارق أمتار قليلة بين المنزلين.
أينما يحلّ نادر لا تصريح ولا تعلیق و «فاتح» على عدد محدود جدا من الإعلاميين. أما في الکوالیس والغرف المغلقة، فالشاب الثلاثيني حاضر بقوة، خصوصا على طاولة الحوار الثنائي مع «حزب الله» في عين التينة.
عارفوه يتحدّثون عن رجل عقلاني جداً، هادئ ورصين، لا تأخذه العواطف. يؤمن بالتسويات الصعبة لكن غير المجانية، ورئاسة عون نموذجا.
دائرة أصدقاء نادر الحريري ضيّقة فعلا ومعظمها من خارج الوسط السياسي. متحفّظ جدا، واقعي وعملي وكتوم ومعروف بقدرة استيعابه السريعة.
هو جزء من صناعة القرار في الدائرة الحريرية الضيقة، وجزء أساس في تنفيذها. «براغماتي» الى أقصى الحدود وهذا ما ترجم في المداولات حول الـ «سين ـ سين» (سوريا والسعودية)، کما في الحوار مع «حزب الله»، حيث قاس الشاب الصيداوي الأمور بمقياس الربح والخسارة، بمعزل عن كل تأثيرات غرائزية أو عاطفية. وهو المسار الذي استكمله من خلال تشجيعه لخيار السير بميشال عون بعد تعثّر خيار سليمان فرنجية.
لا «بيزنس» ولا مشاريع تربط نادر الحريري بالسعودية التي تعرّف عليها وعلى أمرائها أكثر من خلال ابن عمته، تماما كما علاقاته مع مفاتيح في الخارج.
المؤکّد في «بروفيل» نادر الحريري أنه يعمل في السياسة من دون أي طموح سياسي بعكس جبران تماما. قل ان الفنّ يسحره أكثر من السياسة حيث يبدي اهتماما لافتا بشراء اللوحات الفنية وممارسة رياضة المشي في بلاد اوروبا والعالم.
لكن شغفه بهذه الرياضة لم يجمعه حتى الآن مع «صديقه المفترض» وزير الخارجية العوني الذي بات هو الآخر من محبّي هذه الهواية والتي يخصّص لها وقتا في نهايات الاسبوع بالرغم من انشغالاته.
قريبا يحتفل نادر الحريري بولادة طفله الثالث. وربما الفرحة ستكون «فرحتين» بمواكبة سعد الحريري داخلا الى السرايا كرئيس حكومة.
يتنقّل نادر الحريري عادة بمواكبة متواضعة. سيارتا «مرسيدس» تعودان للرئيس رفيق الحريري… وجوده أقصى اليسار في الصفّ الاول للمستمعين الى خطاب سعد الحريري «الوجداني» وهو يتبنّى ترشيح «الجنرال» للرئاسة «لأن لا خيارات لديه» لم يكن يعني سوى انتصار خيار «نادر ونهاد وغطاس» على خيار «الصقور» في «بيت الوسط». المفارقة أن شقيقه أحمد الحريري كان يجلس أقصى اليمين منكوبا برؤية ابن عمته يجرّ «المستقبل» الى مزيد من التنازلات.. والخسارات.