من الطبيعي أن تعقد الأحزاب والتيّارات السياسيّة التحالفات والتفاهمات التي تراها مناسبة، خاصة إذا كان في الأمر مصالح مُشتركة عدّة، كما هي الحال بالنسبة إلى كلّ من «التيّار الوطني الحُرّ» و«تيّار المُستقبل». لكنّ الأمور بلغت أخيرًا مرحلة مُتقدّمة بحيث جاءت العلاقة الجيّدة بين التيّارين البُرتقالي والأزرق على حساب حلفاء كل منهما قبل خُصومهما!
وبحسب أوساط سياسيّة مُطلعة إنّ السيّد نادر الحريري، مدير مكتب رئيس الحكومة سعد الحريري، هو الذي هندس العلاقة بين «المُستقبل» و«الوطني الحُرّ» بحكم علاقته الشخصيّة المُتقدّمة مع رئيس «التيّار» وزير الخارجية جبران باسيل، الأمر الذي سمح بتطبيق ما إصطلح على تسميته «التسوية الرئاسيّة» التي قضت بانتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجُمهوريّة وبعودة النائب الحريري إلى موقع رئاسة الحكومة، مع تمتّع الطرفين بعدد كبير من الوزراء يُخوّلهما تمرير العديد من المشاريع التي يتوافقان عليها، خاصة وأنّ هؤلاء الوزراء مدعومين بدورهم بأكبر كتلتين نيابيّتين في المجلس الحالي. وتابعت الأوساط أنّ أسلوب تعاطي «الوطني الحُرّ»، وبخاصة العمل الدبلوماسي الذي قام به وزير الخارجيّة، خلال أزمة رئيس الحكومة في السعودية نهاية العام الماضي، عزّز التفاهم الثنائي بين التيّارين.
وعن أسباب عدم التحالف إنتخابيًا في مُختلف الدوائر بين «المُستقبل» و«الوطني الحرّ»، أكّدت الأوساط السياسيّة المُطلعة أنّ الإتفاق المبدئي كان ينصّ على التحالف في الأغلبيّة المُطلقة من الدوائر، لكنّ تعقيدات القانون الإنتخابي، وتباين مصلحة الطرفين في بعض الدوائر، والرغبة بالسيطرة ذاتيًا على أكبر عدد ممكن من المقاعد، أدّى إلى تقلّص تحالفهما إلى عدد محدود من الدوائر. ولفتت الأوساط إلى أنّ الفرق بين عدم تحالف كل من «المُستقبل» و«الوطني الحُرّ» يعود إلى أسباب مصلحيّة بحت، بينما عدم التحالف بين «التيّار الوطني الحُرّ» وكل الأحزاب المسيحيّة مثلاً هو مبدئي وناجم عن نيّة مُسبقة برفض التحالف من جانب «التيّار» بغضّ النظر عن حسابات الربح والخسارة. وأضافت أنّ القاعدة نفسها تنطبق على رفض «المُستقبل» التحالف مع أحزاب وقوى «14 آذار» السابقة، وفي طليعتها «القوّات» إلا في ما ندر وبشكل شبه إضطراري. وأعطت الأوساط مثالاً على كلامها أنّه في دائرة زحلة الإنتخابيّة القُوّة التجييريّة الأكبر هي لحزب «القوّات اللبنانيّة»، لكنّ «المُستقبل» الذي يملك قاعدة شعبيّة واسعة في هذه الدائرة إختار التحالف مع «التيّار الوطني الحُرّ» الذي لا يملك حُضورًا قويًا في دائرة زحلة، كما هي الحال في الكثير من الدوائر الأخرى، وذلك من باب النكايات والحرد السياسي إذا جاز التعبير.
وعزت الأوساط السياسيّة المُطلعة تدهور علاقة «التيار الوطني الحُرّ» مع العديد من القوى السياسيّة، وتحديدًا مع الحلفاء قبل الخُصوم، إلى ما وصفته بسياسة التفرّد في القرارات التي يعتمدها رئيس «التيّار» جبران باسيل، وإلى سياسة التعاطي الفوقي التي ينتهجها، والتي تجلّت خُصوصًا في التحالفات الإنتخابيّة الهجينة، حيث فضّل الوزير باسيل مدّ يد التعاون إنتخابيًا إلى كل من «الجماعة الإسلاميّة» والحزب «الشيوعي» وإلى شخصيّات كانت حتى الأمس القريب في موقع الخُصومة مع «التيّار الحُرّ» وحتى مع شخصيّات مُقتدرة ماليًا ولا تملك أي حيثيّة سياسيّة، على أن يكون في موقعه السياسي الإستراتيجي الطبيعي إلى جانب حلفائه بالخط السياسي العريض. وأضافت أنّ السياسة التي يقوم السيد نادر الحريري بهندستها داخل «تيّار المُستقبل» أسفرت بدورها عن تدهور كبير في علاقات هذا «التيّار» مع الحلفاء قبل الخُصوم، حيث إنقطعت تمامًا العلاقات مع حزب «الكتائب» مثلاً، وفقدت طابعها الوطيد السابق مع «القوّات»، وصارت متأرجحة مع «الإشتراكي».
ولفتت الأوساط السياسيّة المُطلعة إلى أنّ كلاً من الوزير المفوّض القائم بأعمال السفارة السعوديّة في لبنان وليد البخاري، والمُستشار في الديوان الملكي نزار العلولا، بذلا في الساعات الماضية جُهودًا كبيرة، لكسر حال الجفاء بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» سمير جعجع، ولإزالة الشوائب بين رئيس الحكومة ورئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط أيضًا. وأضافت أنّ الدور الذي تلعبه السعودية لمُعالجة التوترات بين حلفائها على الساحة اللبنانيّة، يُوازيه دور مُماثل يقوم به «حزب الله» بين قوى «8 آذار» من جهة و«التيّار الوطني الحُرّ» من جهة أخرى، وذلك لمُعالجة حالات إمتعاض ونُفور تسبّبت بها تحالفات «الوطني الحُرّ».
وتوقّعت الأوساط السياسيّة المُطلعة أن يتواصل التعاون والتنسيق الوطيد بين «المُستقبل» و«الوطني الحُرّ» في المرحلة المُقبلة، على حساب التحالفات السابقة على الرغم من كل التدخلات والوساطات الداخليّة والإقليميّة. ورأت أنّ ما يجمع بين رئيس الحكومة ومن خلفه مدير مكتبه من جهة، ووزير الخارجيّة من جهة أخرى، صار أكبر من مجرّد تسوية أنجزت، مُتوقّعة أن يستمرّ التنسيق البرتقالي والأزرق ليشمل مرحلة تشكيل حكومة ما بعد الإنتخابات وتوزيع الحقائب، وإدارة الحُكم في حكومة العهد الثانية التي يُخطّط الطرفان لأن تكون أيضًا برئاسة سعد الحريري. وكشفت أنّ التعاون بين الطرفين سيُركّز على مرحلة ما بعد إجراء الإنتخابات، لجهة ضرورة الدفع بكثير من الملفّات العالقة إلى الأمام، بغطاء من وزراء ومن نوّاب الطرفين، وباستفادة مباشرة لكل منهما أيضًا.
ولفتت الأوساط السياسيّة المُطلعة في الختام إلى أنّ هذا التقارب بين «المُستقبل» و«الوطني الحُرّ» على حساب الآخرين لن يكون من دون إرتدادات وإهتزازات سياسيّة داخليّة، وأنّه لن يمرّ من دون مُحاولات حثيثة لمُواجهته، بدءًا بالجلسة المُخصّصة لملفّ الكهرباء والتي يُتوقّع أن يقف فيها وزراء التيّارين البُرتقالي والأزرق إلى جانب موضوع إستئجار بواخر جديدة لتوليد الطاقة، في مُقابل مُعارضة كل الوزراء الباقين لهذا الأمر.