أخطر ما سمعناه من الكلام الذي أطلقه رئيس التيار الوطني الحرّ في ذكرى تاريخ 13 تشرين الذي دفع فيه لبنان ثمن مغامرة دمّرته وسلّمت «المنطقة المسيحيّة الحرّة» كما سلّمت لبنان كلّه على طبق من فضّة للإحتلال السوري، أخطر ما سمعناه من «بهورة كلام» قول الوزير جبران باسيل متوجّهاً إلى رئيس الجمهوريّة خالطاً ما بين صفته كرئيس للبلاد اليوم وكجنرال أسوأ أعوام لبنان السياسية والأمنية في العامين 1989 و 1990 إذ قال: «اليوم الذي تشعر فيه أنك لم تعد تستطيع أن تتحمل، نطلب منك أن تضرب على الطاولة ونحن مستعدون لقلب الطاولة! نحنا منطلع على ساحة قصر الشعب أحسن ما نكون جالسين على أحد كراسيه، وأنت بترجع تتصرف متل العماد عون يمكن أحسن من الرئيس عون»!! «يا حبيبي عمين بدّك تقلب الطاولة»؟ اتفاق الطائف دفع لبنان ثمنه مئات الألوف من القتلى والجرجى والمفقودين والمعوقين والخراب والدمار، فقط في العامين 1989 و1990 دفع لبنان فيهما أكثر مما دفعه طوال سنين الحرب الأهلية، وهذا كلام شديد الخطورة ولا ينبغي السكوت عنه أبداً، وإلا دفع لبنان أثماناً ثقيلة!!
حقيقةً إنّ أغرب خلاصة قد يصل إليها المتابع أنّ هذا الفريق يريد أن يكون رأس السّلطة والمتحكّم بالسّلطة والقابض على السلطة ثمّ في نفس الوقت يدعو رئيسه للإنقلاب على السلطة وأخذ البلاد إلى المجهول كما في العام 1988، وصحيح أنّ الكثير من الكلام الذي سمعناه بالأمس على لسان رئيس التيّار الوطني الحرّ لا طعم ولا معنى له، وهو مجرّد تكديس لكلام فوق كلام فوق كلام، وهذا أمر ألِفه اللبنانيّون من جماعة التيّار العوني منذ زمن بعيد، إلا أنّ باسيل أمعن بالأمس فيما صدر عنه من كلام ويفترض أنّه يمثّل الديبلوماسيّة اللبنانيّة في هذه الحكومة فإذا به يصادر صلاحيّات رئيسها ومجلس الوزراء مجتمعاً ـ طبعاً بعدما سُمح له أن يتحكّم بتشكيلها وتوزيع حصصها وبمن يمثّل ومن لا يمثّل ـ قرّر رئيس التيّار الوطني الحرّ أن يُحمّل لبنان «خراباً» اقتصادياً جديداً فأعلن بالفم الملآن ومنفرداً بقرار يتخذه المجلس مجتمعاً: «أريد أن أذهب إلى سوريا لكي يعود الشعب السوري إلى سوريا كما عاد جيشها»، «يا حبيبي، مش أنت اللي طردت المحتل السوري» ولا أنت الذي أخرجت جيشه من لبنان بعد احتلال استمر أربعين عاماً، «سامع معاليك» بالقرار الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي في تشرين العام 2004 والذي يحمل الرقم 1559، بهذا القرار رضخ بشار الأسد وأعلن انسحاب جيشه من لبنان تطبيقاً له، فماذا أنت ذاهب تفعل هناك في دولة تقاطعها دول العالم؟!
ما هذا الكلام الذي سمعناه بالأمس عن أنّ «سوريا هي رئة لبنان الاقتصادية. خسرنا الرئة الأولى بسبب اسرائيل، فهل نخسر الرئة الثانية بسبب جنون الحقد أو جنون الرهانات الخاطئة والعبثية، فنختنق وننتهي ككيان»، «يا حبيبي أكيد معاليك فاهم الموضوع بالشقلوب»، لبنان هو رئة سوريا الإقتصاديّة، منذ كانت لبنان وسوريا تعاقبه بإقفال الحدود البريّة في وجهه لتخنقه وهذا زمن ولّى، لبنان هو رئة سوريا الاقتصادية، فرضت عقوبات على النظام ورجاله «هرّبوا ثرواتهم إلى لبنان»، إذا أراد مسؤول كبير فيهم أن يتعالج جاء إلى لبنان، وبضائعهم المهرّبة تغرق الأسواق اللبنانيّة، وأنتم تغضّون النظر عن المعابر غير الشرعيّة التي يستخدمونها ليهرّبوا بضائعهم وأشياء أخرى من «الخضار إلى القصبة النيّة.. إلى البشر»!!
ما سمعناه بالأمس شديد الخطورة لأنّه في جزء منه استبطن «إبتزاز» فاضح للدول الأوروبيّة في موضوع اللاجئين، وكأنّه يضع هذه مقابل تلك، هكذا وبعين «فاقعة» يقال بلغة لا ديبلوماسية فيها وغمزاً من رئيس الحكومة سعد الحريري ومن قناة الدّول الأوروبيّة: «فلا يرضى حتى بمطالبة هذا الخارج بعودة نازح كونه يرهق اقتصادنا، ولا حتى يجرؤ بمطالبته بتعويضات علينا كهبات وليس كقروض»!!
ومن كلّ خطاب باسيل بالأمس لا يعنينا إلا تهديده بـ»قلب الطاولة… وأنت بترجع تتصرف متل العماد عون يمكن أحسن من الرئيس عون «ثمّة مثل جميل عند الأتراك يقول: «حقّ الله في ثلاثة»، وعندنا في لبنان مثل يقول: «التالتة ثابتة»، لبنان غير قادر على تحمّل «قلبة تالتة» على الدستور والأعراف والقوانين ولا على مجلس النواب، ومع هذه انقلاب على اتفاق الطائف.. حان الوقت ليتكلّم «كلّ واحد على قدّو»!