التوضيحات التي قدمتها الخارجية الاميركية لكلام الوزير جون كيري حول قوله “ان الولايات المتحدة ستضطر الى التفاوض مع الرئيس السوري من اجل ضمان انتقال سياسي للسلطة في سوريا” عبر قول الناطقة باسم الخارجية “ان كيري جدد تأكيد سياسة راسخة هي اننا بحاجة الى عملية تفاوضية يكون فيها النظام على الطاولة ولم يقل اننا سنتفاوض مباشرة مع الاسد”، تفيد بأن كيري ارتكب هفوة في التعبير، وكثر يقولون انها ليست الاولى، ما اضطر الخارجية الى تصحيحها، او ان ردود الفعل المستهجنة كانت كثيرة بحيث اضطرت الخارجية الى هذا التوضيح. اذ تسارعت ردود مباشرة علنية على وزير الخارجية الاميركي، لا سيما من حلفائه كبريطانيا وفرنسا وتركيا وردت على الموقف الاساسي لكيري بقولها ان لا مستقبل لسوريا بوجود الاسد، وكأنما تطمئن الى ان مواقفها لا تنسجم والسياق الاميركي او ان ثمة خلافاً بينها وبين الولايات المتحدة. ولم يتردد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في اضفاء صدقية على التوضيحات الاميركية عبر الاعلان ان الموقف الاميركي من الاسد لم يتغير، وهو ما لم يكن ليحصل لولا اتصالات بين الطرفين لهذه الغاية. وفي رأي البعض ان ثمة ما يدفع الى اخذ التوضيح الاميركي في الاعتبار استنادا الى ان الخارجية الاميركية كانت جددت دعوتها الى رحيل الرئيس السوري قبل ثلاثة ايام فقط من كلام كيري في 12 آذار الجاري ذكرى انطلاق الثورة السورية ضد النظام مشددة على ان رحيل الاسد هو” شرط لاستقرار سوريا”. وكان السفير الاميركي في سوريا دانيال روبنشتاين غرد في المناسبة نفسها “ان تمسك الاسد اليائس بالحكم على وقع الرعب اليومي دليل على انه خسر الشرعية منذ وقت طويل وعليه ان يفسح في المجال لانتقال سلمي فعلي”.
هل يجب ان ينهي ذلك تفاعل كلام كيري او انه كان بداية بروز رأس جبل الجليد؟
لن يطمئن كثر الى التوضيح الاميركي لان كيري تحدث عن مساع تجرى بعيداً من الأضواء. والاتحاد الاوروبي تحدث عن اتصالات مع ممثلين عن النظام بحيث تشمل التسوية الجميع بمن فيهم الاسد مما يكشف بعض مما قاله كيري من ان واشنطن ودولا اخرى تدرس الطرق الكفيلة باحياء العملية الديبلوماسية. لكن موقف كيري خضع وسيخضع لتوظيف سياسي من جانب النظام السوري وحلفائه الى اقصى حد. وفيما يرى البعض ان مضمون كلام كيري قد لا يعكس تغييرا حقيقيا او جوهريا في الموقف الاميركي باعتبار ان الاسد كان فريقا الى طاولة جنيف 2 وان الموفد الدولي ستيفان دو مستورا يفاوض النظام بالنيابة عن مجلس الامن وان كيري تحدث عن الضغط على الاسد من اجل ارغامه على التفاوض للقبول بالحل السياسي، الا ان مصادر مراقبة تسجل جملة ملاحظات في كلامه قد يكون أبرزها قوله انه يتعين على الولايات المتحدة التفاوض مع الرئيس السوري. فهذا ما يحلم به الاسد ويتوق اليه وهي هدية ثمينة جدا تقدم للاسد. اذ ان رهانه كان ولا يزال على ان واشنطن ستضطر في نهاية المطاف الى التفاوض معه بعد تكبير خطر ما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية وحملة الولايات المتحدة من اجل دحر هذا التنظيم والاسد لا يهمه موقف اي دولة اقليمية او غربية اخرى لاعتباره ان الولايات المتحدة وحدها من يعيد اليه الاعتراف بشرعيته متى فتحت هي مباشرة باب التفاوض معه. وهو ما يكشفه قريبون منه لمعدي التقرير الذي استند اليه دو مستورا من اجل الانطلاق في خطته من اجل تجميد القتال في حلب اولا. اضف الى ذلك ان توقيت كلام كيري لم يكن مناسبا في سياق التطورات الاقليمية. ففي عز المفاوضات التي تجريها واشنطن مع ايران من ضمن مجموعة الدول الخمس الاعضاء الدائمين في مجلس الامن زائد المانيا حول ملفها النووي، تتساهل واشنطن مع الحملة التي تقودها ايران مباشرة والحشد من الميليشيات الشيعية في تكريت في العراق والتي اكتفى مسؤولون اميركيون بالاعراب عن الخشية من ان تؤدي الى فتنة مذهبية. وعشية استئناف المفاوضات الاخيرة قبل الاتفاق الاطار المرتقب في 24 آذار مع ايران، بدا موقف كيري كأنه قدم سلفة كبيرة على الحساب الى ايران التي تدفع بكل قوتها من اجل تثبيت الاسد في موقعه فيما يوحي كأن الملفات الاقليمية التي قيل انها تركت لما بعد الانتهاء من الملف النووي تتم مناقشتها من ضمن صفقة متكاملة تجري في موازاة الاتفاق على النووي. ويصعب اقناع المشككين الكثر بان كلام كيري لا يعكس مفاوضات حول العراق وسوريا جرت وتجري مع ايران بحيث يتم التسليم ببعض القواعد او الاسس التي ترغب ايران في فرضها وقد يكون من ضمنها اعادة الاعتبار الى الأسد او الموافقة على استمراره لسنوات اضافية بذريعة ان يرأس هو المرحلة الانتقالية. ومن غير المستبعد ان يوجه الاسد رسائل عن استعدادات للتجاوب باعتبار ان اعلان واشنطن اضطرارها الى التفاوض معه يوفر له هدية ثمينة من منطلق السعي الى اعطاء الاميركيين ما يشجعهم على المضي في هذا الموقف وليس التراجع عنه تحت تأثير مواقف حلفاء دوليين او اقليميين. كما ان ايران قد تدفع في هذا الاتجاه من اجل الاستفادة من سنتين باقيتين من ولاية الرئيس باراك اوباما على غير ما قد يكون عليه سلفه.