Site icon IMLebanon

جيرو وحقل الألغام الأميركي

لا يحتاج الأمر إلى كثير من التمحيص والتحليل للاستنتاج بأنّ الشرق الأوسط سيرزح، خلال الأسابيع المقبلة، تحت عبء الإخراج الجاري صوغُه للاتّفاق الأميركي – الإيراني، ولبنان هو إحدى هذه الساحات الصعبة.

التضارب الحاصل في المصالح ما بين ولادة هذا الاتفاق وإسرائيل أوصلَ النزاع إلى قلب المؤسسات الأميركية في سابقةٍ نادرة الحصول. ذلك أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والذي يستعدّ لانتخابات نيابية بالغة الصعوبة، قرّرَ نقلَ المعركة إلى واشنطن متّكِئاً على اللوبي اليهودي الأقوى «أيباك»، فهو يحاول ضربَ الاتّفاق وإجهاضَ ولادته في واشنطن، من خلال العمل على إثارة النفوذ اليهودي، وعلى أساس أنّ هذا الاتفاق يمنح حرّية عمل واسعة لإيران التي تريد تدمير إسرائيل.

في الكونغرس 535 عضواً من بينهم 28 يهودياً، أي ما نسبتُه 5 في المئة، فيما نسبة الجالية اليهودية من عدد السكّان الأميركيين تشكّل 2 في المئة أو ربّما أقلّ قليلاً. لكنّ المشكلة أنّ عدد النوّاب اليهود من الحزب الديموقراطي يبلغ 27 عضواً من أصل 234.

أمّا على مستوى الكتلة الجمهورية البالغ عددُها 301 عضو والتي من المفترَض أن تكون معارضة للحزب الديموقراطي الحاكم، فيبلغ عدد النوّاب اليهود فقط واحد لا غير، ويدعى LEE- ZELDIN، وهو من نيويورك ويبلغ 34 عاماً.

لكنّ البيت الأبيض الذي كان قد أرجَأ توقيع الاتفاق بغية تسويقِه داخليّاً ولدى الدوَل المعترضة مثل السعودية وتركيا، وخصوصاً إسرائيل، فقد أطلعَ كبارَ الرموز في الحزب الجمهوري على تفاصيل المفاوضات وما يجري الاتّفاق عليه وأخذ موافقتهم المسبَقة. وعلى رغم ذلك تحرّكَت إسرائيل بقوّة مرّةً ميدانياً في الجولان ومرّات أخرى لإثارة الرأي العام الأميركي.

وجاء التقرير الذي نشرَته صحيفة «واشنطن بوست» عن اغتيال عماد مغنية مؤذياً في مضامينه، ولو أنّ أهدافَه كانت واضحة. فاختيار الصحيفة المعروفة بقربِها من البيت الأبيض ودوائر وزارة الخارجية لم يحجب الأهداف التي تقف وراء التسريب: منح رافضي الاتفاق في الضفّة الأُخرى الذخيرة المطلوبة لقتلِه.

فواشنطن التي راقبَت ولا تزال بكثير من الدقّة مواقفَ ما يعرف بالجناح الإيراني المتشدّد إضافةً إلى مواقف «حزب الله» المحسوب على هذا الجناح، بدَت حريصةً على فرز الألوان جيّداً، وكان لافتاً أن لا تعلّقَ سلباً على الخطاب الأخير للسيّد حسن نصرالله، على رغم تضمُّنِه مواقفَ إقليمية مهمّة، مثل تغيير قواعد اللعبة. ربّما لاعتقاد البعض أنّ هذه المواقف تردع نتنياهو عن المضيّ في اللعِب بالنار.

لكنّ الصمتَ الذي اتّبعَه «حزب الله» إثرَ نشرِ التقرير، كان صعبَ التفسير. وحتى التظاهرات التي كانت تواكب محطات مماثلة والتي كانت تقصد مقرّ السفارة لم تحصل.

في المقابل، طلبَت واشنطن من طاقمِها الديبلوماسي في بيروت اتّخاذَ أقصى درجات الحذَر وعدمَ الخروج من السفارة إلّا في حالات الضرورة القصوى. ذلك أنّ أيّ عمل أمنيّ قد تقوم به جهات تصطاد في الماء العكِر، متضرّرة من الاتفاق، قد يوجّه ضربةً قوية لولادة الاتفاق.

ويتردّد أنّ البيت الأبيض أجرى مشاورات سريعة مع أقطاب الحزب الجمهوري بهدف الإسراع في توقيع الاتّفاق، وهو ما يُفسّر إعطاءَ مهلة حتى نهاية حزيران المقبل للبَدء في تطبيق عقوبات جديدة على إيران، وعلى أساس أنّ توقيع الاتفاق قبل هذا التاريخ سيُلغي العقوبات برُمَّتها.

وسط حقلِ الألغام هذا، تتقدّم واشنطن في الشرق الأوسط، وفي ظلّ هذه الأجواء تواكبُها باريس عبر لبنان. فالموفَد الفرنسي جان فرنسوا جيرو يُحَضِّر الأجواءَ ويستطلعُها ليس أكثر، في انتظار الإنجاز الإقليمي الكبير في حال حصل.

بالتأكيد، سيستمرّ جيرو في عملِه محاوِلاً النَفاذَ إلى قلب المشكلة السياسية من خلال لقاءاته مع مختلف القوى، لكنّه يدرك أنّ الرقمَ الصعب في كلّ هذا الملف يبقى «حزب الله». لذلك مثلاً كان لقاؤه خلال جولته الأولى مع ممثّل «حزب الله» الأكثر «دسامة»، مقارنةً مع غيره من اللقاءات. وفي اللقاء الثاني الذي عُقد ليل أمس الأوّل استمرّ النقاش الشامل و»الدسم» في بعض نواحيه.

ويقول متابعون إنّ باريس مهتمّة باستكشاف الآراء في حال استمرار عقدة الرئاسة، مثل صورة النظام السياسي المقبل الذي يطمح إليه الأفرقاء، وبالتالي ما إذا كانت العقدة الرئاسية هدفُها الانتقال إلى دستور جديد ينظّم الواقعَ السياسي للسلطة اللبنانية.

ذلك أنّ استمرار العقدة الرئاسية في لبنان بعد إنجاز الاتفاق الأميركي- الإيراني في حال حصوله، سيعني نقلَ البلد إلى واقع آخر. واقعٍ يبدو الفريقُ المسيحي غائباً عنه، على رغم إبداء جميع الأفرقاء حِرصَهم على الدور المسيحي في أيّ نظام مستقبليّ جديد.

هذا في وقتٍ يَعتقد «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» أنّهما أنجَزا تفاهماً على ضرورة أن يكون رئيس الجمهورية ممثّلاً لبيئته. بند يعتقد عون أنّه ينتزع من خلاله تأييدَ «القوات»، فيما تَعتقد «القوات» أنّها ضمنَت من خلاله شراكتَها في تسمية الرئيس المقبل ووفق مبدأ أنّ تفاهمَ عون وجعجع على اسم الرئيس سيجعل منه رئيساً ممثّلاً لبيئته بحُكم التجيير… عبارة واحدة لتفسيرات متضاربة.