تقول اغنية إلهام مدفعي “بابوري رايح رايح… بابوري جاي، بابوري محمل سكر وشاي”. هكذا نحن على رصيف الانتظار. نستقبل ونودع موفدا تلو موفد، واحداً يذهب وآخر يأتي، ولا يحمل اي منهما جديدا ولا سكّراً. يقومون بزيارات استطلاع، يحاولون خلالها ان يكتشفوا اي نوع من البشر نحن، وأي دواء أو حقنة تنفع في علاجنا من امراض مستعصية فتاكة، تجعلنا يوما بعد آخر، ندمن الموت والفساد والانقسام، نعتاد الشغور الرئاسي، والفراغ في المؤسسات. يصل الينا رئيس دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو، ولا يحمل جديدا، سوى بعض خلاصات دوّنها على دفتره بعد جولة شملت الرياض وطهران والفاتيكان. يضيع بعض الوقت في انتظار شيء ما لا يعلمه، كما لا يعلمه اللبنانيون ايضا. وقد غادرنا ايضا رئيس لجنة الأمن في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي، بعدما التقى عددا من المسؤولين، مؤكدا لهم ان الانتخاب الرئاسي شأن محلي، وهو ما يردده تكرارا الامين العام في “حزب الله” السيد حسن نصرالله. اضف الى ذلك اللقاءات المستمرة التي يقوم بها السفير الاميركي ديفيد هيل مع عدد من السياسيين، ومثله السفير السعودي علي عواض عسيري، وجميعهم يرددون ان الاستحقاق شأن لبناني وان دولهم تدعم الاتفاق ما بين اطراف الداخل على انتخاب رئيس جديد.
اما في الواقع، فان سياسيينا لا يصدقون الامر، وهم يتكلون على الخارج، ويراهنون على المفاوضات الاميركية – الايرانية، ويحددون مواعيد لترجمة نتائجها في غير بلد عربي، ويعتبرون ان المكان الاسهل لتظهير الاتفاق سيكون لبنان، مما يعني ضمنا ان تأخر المفاوضات أو تعثرها سيؤخران انتخاب الرئيس، ويعني ان فشلها سيؤدي الى ابقاء لبنان من دون رئيس الى اجل غير محدد.
ويربط البعض الآخر الانتخاب بانتهاء الازمة السورية، كأن احدا في الداخل أو الخارج، وفي سوريا نفسها، قادر على رسم نهاية للحرب الطويلة التي تحولت نزاعا امميا، تماما كما حصل في لبنان العام 1975، عندما اعتبر البعض انها مسألة ايام معدودة، ثم توالت المؤتمرات الدولية بلا نفع، الى حين التقاء المصالح الدولية والاقليمية على وضع حد لها بعد مرور 15 سنة.
وقد بدأ البعض الآخر يبني آمالا على تبدل في العلاقات السعودية – الايرانية مع الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز، وتوقع تبدل في السياسات تجاه عدد من الملفات، وتطور العلاقات ايجابا مع تركيا وقطر، بما يبدل في طبيعة الصراع في المنطقة. والحقيقة ان هؤلاء يقرأون ايضا في الغيب، اذ لم تتظهر بعد ملامح السياسة الخارجية للمملكة، وما اذا كانت ستشهد تغييرا.
كل هذا ونحن على رصيف الانتظار، نفقد ثقتنا بذواتنا وثقة الآخرين بنا، ننتظر بابور الشاي والسكر ليس اكثر.