أرخى المناخ السياسي والامني المشدود الذي تعيشه البلاد بظلاله على الزيارة التي قام بها رئيس دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو الى بيروت،، والتي رسمت اكثر من علامة استفهام حول طبيعة المرحلة والمسار الذي قد تسلكه الامور في ضوء الغليان الذي تشهده المنطقة.
فالساعات الاولى للزيارة تقول مصادر سياسية متابعة، كانت كفيلة باحباط آمال المراهنين على ان عودته جاءت نتيجة «تطور ما» استجد على الخط السعودي – الايراني، حيث تقاطعت معلومات من التقاهم على ان ملف الرئاسة متجه الى مزيد من التعقيد بعد التطورات الميدانية التي عززت التشدد الايراني عشية الموعد الحاسم للمفاوضات النووية على وقع «الخلاف» الاسرائيلي – الاميركي والتغييرات الجارية في السعودية.
المصادر المتابعة للزيارة قللت من اهمية المعطيات الكامنة وراء تحرك «جيرو» الرئاسي، بعد تجميده لبضعة اسابيع، مؤكدة عزمه على التجاوب مع ما يراه ملائما، في ضوء ما يفترض ان يكون لديه من مستجدات، في ضوء القرار الاقليمي بتعطيل انتخابات الرئاسة، وهو ما لمسه ايضا رئيس الحكومة، عندما فاتح رئيس لجنة الامن والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الايراني علاء الدين بروجردي بالامر الرئاسي، من باب الاشادة بالموقف الايراني الذي سهل تشكيل الحكومة، والتمني على طهران في الوقت ذاته تسهيل انتخاب رئيس، موضحة ان الزيارة جاءت بهدف استكشاف متغيرات السياسة السعودية بعد وفاة الملك عبدالله واستلام الملك سلمان بن عبد العزيز، ولتوجيه رسالة غربية للموارنة مفادها أنّهم غير منسيين.
وبحسب المصادر فان الموفد الفرنسي الذي سيزور الفاتيكان مطلع الاسبوع للقاء البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ابدى قلقه من الخطر الكبير المحدق بلبنان في ضوء انكفاء المسيحيين عن اداء دورهم الرئيسي في الوطن وتلهيهم تارة بحوض في مرفأ واخرى بمكب نفايات بما ينعكس سلبا على وضعهم ومستقبلهم وعلى الرئاسة في شكل خاص، معتبرا ان الرئاسة اللبنانية اصبحت اسيرة المصالح الدولية وبورصة المفاوضات النووية وطروحات التسوية ناصحا بوجوب العودة الى لبننة الاستحقاق والاتفاق على انتخاب رئيس، ما دامت القوى الكبرى التي تولت المهمة الرئاسية اللبنانية طوال عقود خلت منشغلة بملفات تعتبرها اكثر اهمية في منطقة الشرق الاوسط وغيرها ولم تحسم تاليا موقفها بالنسبة الى انتخاب الرئيس اللبناني لا بالاسم ولا حتى بالموعد، وعدم التكتل خلف قرارات خارجية تربط مصير وطنهم بمصالح اقليمية ودولية هي ابعد ما يكون عن مصلحتهم الوطنية، مذكرا بانه منذ سنة قال اللبنانيون له لا حكومة، فذهب إلى طهران وتحدث إلى الإيرانيين، فتشكلت حكومة تمام سلام، فهل تريدون ان نعيد الكرة في الملف الرئاسي؟
وتنقل المصادر عن احدى الشخصيات القيادية في 14 آذار التي التقاها «جيرو»، قولها ان الاخير اكد ان ما سمعه في طهران خلال الجولة الاخيرة لا يبعث على التفاؤل بقرب التوصل الى تحقيق اختراق في القريب العاجل، اذ ان القيادة الايرانية رأت في التطورات الحاصلة في المملكة السعودية فرصة مناسبة لكسب المزيد من الوقت، مع احالتها الطرف الفرنسي الى الرياض التي اصبحت الكرة في ملعبها بانتظار ان تحدد سلوكها الجديد حيال قضايا المنطقة، من جهة، والى الحوار المسيحي- المسيحي من جهة ثانية، والذي نجح في تحقيق اكثر من خرق في بعض الملفات، فيما بقي الملف الاساس خارج التداول وعالقا عند رهان رئيس تكتل الاصلاح والتغيير على أن المتغيّرات الحاصلة في المنطقة تصب كلها لمصلحة تبنيه للرئاسة الاولى، مبلغا زواره من لبنانيين واجانب انه ليس في صدد التنازل لمصلحة أي شخصية مسيحية أخرى، مهما طال امد الفراغ الرئاسي.
واشارت المصادر نفسها الى ان مهمة الموفد الفرنسي جاءت محددة لجهة النقاط التي بحثها مع من التقاهم اذ ركزت على :
-حمله رسالة من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مفادها التأكيد على حرص باريس على تفعيل عمل المؤسسات في لبنان وانجاز الاستحقاق الرئاسي في أسرع وقت ممكن.
– تركيزه على ضرورة حماية لبنان من الانزلاق الى الحروب نتيجة التدهور الامني وتداعياته الاقليمية، مشدداً على ابقاء مظلة الحماية التي تتمسك بها فرنسا لصون لبنان من هذه الاخطار.
– استفساره عما يريده الأطراف من الحوار القائم وكيفية ترجمته وما إذا كان هناك من مبادرة محلية جديدة أم أن الأمر يقتصر على ما هو حاصل من لقاءات حوارية او غير ذلك فضلاً عن النقاط التي سيتطرّق اليها اللقاء المنتظر بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع وهل هي فعلاً تشمل الانتخابات الرئاسية
ـ إبلاغ المسؤولين والقيادات السياسية ولا سيما المسيحيين منهم الموقف الفرنسي ـ الفاتيكاني المشترك باستعجال انتخاب الرئيس وملء الفراغ، في ضوء احتدام الصراعات الاقليمية والدولية على سوريا وربما على لبنان أيضاً.
-اطلاع الاطراف اللبنانية على حصيلة زياراته السابقة للسعودية وإيران والفاتيكان.
وفي هذا السياق، اشارت مصادر ديبلوماسية، الى ان زيارة جيرو هذه المرة تأتي وسط إدراك أكبر للمواقف في استكمال لما بدأه في جولته الاولى من جمع لتصورات الاطراف تمهيدا لمناقشتها مع القوى الاقليمية والدولية المعنية التي ما زالت على «ضوئها الأخضر» لا سيما طهران والرياض، موضحة أن لا مبادرة معينة في جعبته، مؤكدة ان لا حل سحريا في جعبة المسؤول الفرنسي، في ظل ارتباط الملف اللبناني بملفات وظروف المنطقة غير الناضجة حتى الساعة، مشيرة الى ان لقاءه مع حزب الله لم يحدث اي خرق، كاشفة عن عشاء عقد في السفارة الفرنسية ضم قيادات مسيحية مقربة من بكركي ورئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط، وعن خلوة مع رئيس كتلة المستقبل عرضت «لاوضاع المرشحين».
غير ان الابرز في الزيارة تضيف المصادر، تمثل في شقها الاساسي والذي بقي بعيدا عن الاعلام، حيث ركز جيرو على بحث التطورات الجنوبية، مستطلعا الموقف اللبناني الرسمي من ما اطلقه امين عام حزب الله لجهة تعديل قواعد الاشتباك من جانب احادي، ما يعرض القرار الـ 1701 للخطر ويؤدي بالتالي الى سحب الغطاء الدولي الذي يتمتع به لبنان. علما ان مصادر في الثامن من آذار اكدت أنّ جيرو لم يفاتح فريقها السياسي حول هذه المسألة، معتبرة ان الجواب واضح لجهة ان السيد نصرالله لم يتطرق الى القواعد المتعلقة باليونيفل انما فقط تلك المتعلقة بقتال اسرائيل.
اذا كان توقيت زيارة جيرو طرح اكثر من علامة استفهام، فان تزامن سفر رئيس حزب القوات اللبنانية الى الخارج احتل صدارة التساؤلات في الاوساط السياسية اللبنانية التي غمزت من قناة «الحكيم» الذي آثر الابتعاد وعدم تسجيل موقف امام الموفد الدولي في ظل المفاوضات الجارية مع «التيار الوطني الحر»، مع تسريب البعض، تبلغ القادة المسيحيين «تحذيراً» فرنسياً – فاتيكانياً مشتركاً، لتنتهي جولة جيرو باحياء شكلي لملف الرئاسة، اما في المضمون والنتائج فالمراوحة مستمرة لأن لا معطيات جديدة ولأن جولته استكشافية لا أكثر ولا أقل.