يزيد الضّغط الديبلوماسي الفرنسي في اتجاه لبنان، وهو سيتظهّر جليّاً اليوم في الزيارة التي يقوم بها الى بيروت مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية جان ــ فرانسوا جيرو ويلتقي خلالها عدداً من المسؤولين اللبنانيين.
قرّر جيرو زيارة بيروت، التي وصلها مساء أمس، مباشرة بعد زيارته الرابعة الى طهران الشهر الماضي ولقائه كبار المسؤولين الإيرانيين، أما هدفها الحصري فهو البحث في الموضوع الرئاسي اللبناني، وهو سيبلّغ رسالة أساسية تفيد بأن فرنسا تريد انتخابات رئاسية بأسرع وقت ممكن، وأنّ ثمّة أسماء تجب «غربلتها» بسرعة. أما أبرز مواصفات الرئيس المقبل فتتمثل بأن يكون مقبولاً من جميع الأطراف اللبنانية وقادراً على التخاطب مع فريقي «8 و14 آذار» وألا يكون عسكرياً، وذلك بحسب معلومات رشحت من أوساط فرنسيّة واسعة الإطلاع. وكانت فرنسا بدأت منذ حلول الفراغ الرئاسي حركة ديبلوماسيّة مكثّفة على خطّي إيران والسعودية بالتعاون مع الفاتيكان وبالتنسيق الوثيق مع الولايات المتّحدة الأميركية من أجل إتمام الاستحقاق الرئاسي اللبناني وملء الفراغ في الموقع المسيحي الأول في الدّولة.
وبالتالي تشير أوساط فرنسيّة واسعة الإطلاع أنّ «هدف الزيارة الوحيد يتعلّق بالاستحقاق الرئاسي فحسب».
التحوّل الإيراني الإيجابي تجاه فرنسا
صحيح أنّ التقدم في الملفّ النووي الإيراني غير واضح التأثير على الملفّ اللبناني، لكن بالتأكيد أنّ ثمّة ليونة حصلت بين إيران وفرنسا، خصوصاً بعد الزيارات الأربع لجيرو الى طهران.
توتّرت العلاقات بين باريس وطهران بسبب حلف فرنسا مع السعودية، خصوصاً مع بداية ما سُمّي بـ«الربيع العربي»، وساء الوضع مع بدء الأزمة السورية، إذ تطابقت وجهتا نظر باريس والرياض كليّاً، لكن بعد التطوّرات الإيجابيّة بين إيران والولايات المتّحدة الأميركية والتي لم يظهر منها بعد إلا رأس جبل الجليد، اضطرّت فرنسا الى اعتماد التعاون الموضوعي مع طهران، خصوصاً أنّ لديها مصالح وعقود أعمال وشركات تهتمّ لنيل حصتها من «البزنس» في إيران.
لكنّ باريس حرصت أيضاً على عدم حصول أي تمايز عن السياسة السعودية ودول الخليج لمصالح اقتصادية لديها أيضاً، وبالتالي فإن مواقفها من المشهد في المنطقة لن يتبدّل مرحليّاً ولن يصير أكثر اعتدالاً. وبما أنّ شكل النّظام الإقليمي الجديد لم يتبلور نهائيّاً بعد، فإنّ فرنسا ستحاول إمساك العصا من وسطها عبر الانفتاح على إيران، بحسب ما تقول الأوساط الفرنسيّة.
لعبت المفاوضات بين إيران والغرب حول الملفّ النووي، دوراً إيجابياً في دفع فرنسا صوب هذا الانفتاح التكتيكي، ويعتبر الفرنسيّون أنهم لعبوا دوراً إيجابياً في إقناع الإيرانيين بتقديم ضمانات بالنسبة الى مفاعل «آراك» لتخصيب اليورانيوم، أما الإيرانيون فقرأوا من جهتهم واقعية فرنسية بالنسبة للضمانات المطلوبة في موضوع آراك تحديداً، وهذا ما دفع طهران الى التعاطي بإيجابية مع فرنسا التي تخلّت عن دورها التعطيلي الذي تبّنته في الجولة الأولى من مفاوضات فيينا، وهذا ما أسبغ نوعاً من الحلحلة والليونة على العلاقات بين البلدين.
وتقول الأوساط الفرنسية: «تعتبر فرنسا أن لبنان قد يكون الساحة الوحيدة التي تستطيع من خلالها تحقيق إنجاز ما، نظراً الى علاقاتها التاريخية الوطيدة مع جميع الأطراف فيه، وذلك بمساعدة إيران وحلفائها». تضيف: «بالتالي تلعب فرنسا في هامش الإيجابية الذي تمكّن جان ــ فرانسوا جيرو والديبلوماسية الفرنسية من تحقيقه مع إيران من دون أن تتخلّى باريس عن تطابقها التّام في سياسة المنطقة مع السعودية».
يراهن الفرنسيون على دور إيجابي إيراني بواسطة «حزب الله» في الموضوع الرئاسي اللبناني، وتحديداً في إقناع العماد ميشال عون بالتخلّي عن ترشحه، وبالتالي تمرير الاستحقاق الرئاسي اللبناني في موعد قريب، أما موضوع سوريا الطويل الأمد فإنّ الأمل بتحقيق تقدّم فيه سيكون ضعيفاً، وبالتالي من غير المجدي لأحد أن يبقي الموضوع اللبناني مرتبطاً بالأزمة السورية.
ولا يسهو عن البال أيضاً الاستشعار الفرنسي الدقيق لخطر الإرهاب، وتشير الأوساط الفرنسية الى أن «باريس باتت على قناعة أنه من دون مساعدة إيران تحديداً، من الصعب ترتيب الوضع في العراق وسوريا، وبالتالي فإنّ الإيرانيين قادرون على التدخّل عسكرياً لحلّ موضوع الإرهاب، من هنا تكثيف التفاوض مع إيران، مع العلم أن التقدّم لا ينسحب على الملفّات كلّها، فالمسارات متعددة وليس من الضروري التوصّل الى حلول سريعة فيها كلّها».
ثمّة اعتقاد فرنسي متنام بإمكانية الحلحلة في الملفّ الرئاسي اللبناني، وبالتالي الى جانب مراقبة الحركة الديبلوماسية الفرنسية، خصوصاً السفير باتريس باولي، فمن المجدي أيضاً رصد حركة السفير الأميركي في بيروت دايفيد هيل غير البعيد عن هذا المسار، مع التذكير بالاجتماعات التي قام بها قبل تشكيل الحكومة الحالية.. واحتمال أن تنسحب الحركة ذاتها على الموضوع الرئاسي.