«من بين نحو 80 سفارة موجودة في لبنان هناك أربع أو خمس منها بالحدّ الأقصى، يملك ديبلوماسيوها المعلومة الصحيحة، وأحيانا جزءا من هذه المعلومة وليس كلّها. أما البقية فتستمتع بتذوّق صحن التبولة والحمص خلال دردشاتها مع السياسيين اللبنانيين الذين، بأغلبيتهم الساحقة، لا يدرون ماذا يجري في المنطقة أو في لبنان»!.
هذا هو الانطباع الذي يخرج به أحد المتابعين السياسيين، مشيرا الى أنه منذ اندلاع الأزمة السورية، لم يكن القيّمون على إدارة اللعبة الداخلية على مستوى الحدث الكبير في المنطقة، والذي كان مسلّما به أن لبنان سيكون جزءا أساسيا من أوراقه القابلة للحرق أو الاستثمار أو التفاوض. بهذا المعنى حصانة الحدّ الأدنى، من حمّى البركان السوري المتفجّر، لم تتأمّن بقرار سياسي «بلدي».
صارت الانتخابات الرئاسية والنيابية وقانون الانتخاب والتمديد وتعطّل مالية الدولة هوامش أمام خطر الانزلاق نحو هاوية الفتنة الكبرى والانجرار الى «معركة المصير» مع التنظيمات الارهابية.
كل ذلك، وسط تأكيدات بأن ضربات «التحالف الدولي» لن تفضي الى القضاء على «داعش»، بل منع تمدّد خلاياها وتطويقها… لا أكثر.
أما الرهان على استثمار نتائج القصف الجوي سريعا، فيسقط في فخ التحليل العاطفي والغرائزي، بما أن صواريخ «التحالف» لن تصل الى جرود عرسال والقلمون، كما أن القيادة المركزية لـ «التحالف» لا تتصرّف اليوم بما يوحي للحظة بأنها تضرب و«تنظّف» من أجل أن تتيح لقوات النظام السوري أن تتمركز في مواقع «داعش»، وخارطة الأهداف تؤكد ذلك.
وها هو لبنان الرسمي يشدّد عبر وزارة الخارجية بأن لبنان ليس بحاجة لخدمات «التحالف» في حربه على الارهاب في جرود عرسال، وبأن الجيش قادر على ذلك وحده، وها هو كلام وزير خارجية الولايات المتحدة بعد لقائه رئيس الحكومة تمام سلام في نيويورك يصب في الاتجاه نفسه، بتشديده على أهمية تصدي الجيش بقواه الذاتية للارهاب.
وفي وقت ظنّ كثيرون أن عودة الرئيس سعد الحريري في الثامن من آب، على وقع الهبة السعودية بمليار دولار للجيش وبقية المؤسسات الأمنية، على خلفية مواجهة «غزوة عرسال»، تحمل مؤشّرات ايجابية ما، فإن مسار ما بعد العودة لا يشي بذلك.
أكثر من مرةّ أطلّ الحريري عبر «تويتر»، وفي بيانات مكتبه الاعلامي المحذّرة من الفتنة والمتضامنة مع الجيش، وأخيرا من خلال الردّ اللافت للانتباه على رسالة «الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية» الى مجلس الأمن، وما بينها صور selfie مع أمراء سعوديين، وصوره مشاركا مع عائلته في حفل زفاف شقيقه بهاء الدين الحريري.
أما هبة المليار دولار من السعودية والتي كلّف رسميا بالاشراف على توزيعها، فيتم «تقريشها» من خلال اعتمادات تم تفويض البنك الأهلي السعودي بصرفها وفق الوجهة المحددة لها، ومعظمها لشراء أسلحة قادرة على مساعدة الجيش في حرب المصير.
وفي غياب سعد المتجدّد طرأ أكثر من معطى جديد، أوّله التقارب السعودي الايراني الذي أثمر دخولا مريحا لطهران، ومن دون ضجّة اعتراضية، على خط تسليح الجيش اللبناني.
سابقا كان سدّ مائي يتكفّل بإعلان الحرب بوجه «الفرس». عام 2012 طرح سدّ بلعا في البترون، بعد موافقة حكومة نجيب ميقاتي على هبة ايرانية بقيمة 40 مليون دولار لتمويل المشروع وتنفيذه من قبل شركة «تابان» الايرانية، فتحت أبواب جهنم بوجه «الامبراطورية الفارسية»، ويومها ضرب نائبا المنطقة أرجلهما بالأرض «لا لحصان طروادة في المنطقة»!
ومصير الرغبة الايرانية بتزويد الجيش بالسلاح على عهد الرئيس ميشال سليمان لم يكن أفضل حالا، حيث وقفت «الترسانة الآذارية» بوجه من يحاول «وضع يده على الجيش».
لكن قدوم الامين العام لمجلس الأمن القومي الايراني علي شمخاني الى بيروت بمهمة عنوانها تسليح الجيش لم يستفزّ، أقلّه ظاهريا، أوركسترا الممانعة التاريخية لقيام الجمهورية الاسلامية برفد الجيش باحتياجاته الضرورية من التجهيزات والأسلحة.
لا تكمن المسألة طبعا في تفهّم «محبّي» المؤسّسة العسكرية لحاجتها لأي رصاصة تُقدّم اليها في حربها ضد الارهاب من أي جهة كانت، بل في تغيّر المناخات الإقليمية بما يفرض على المُحبَطين الصمت والترقّب.
وفي مقابل السلاسة التي يعتمدها الطرف الايراني في تسهيل وصول الهبة الى ايدي اللبنانيين بعد زيارة وزير الدفاع سمير مقبل لطهران خلال اسبوعين لاستلامها رسميا، وعدم بروز عوائق جوهرية ظاهرة حتى الآن تمنع ايران من تسليح الجيش للمرة الأولى، إلا ان حصول لبنان على السلاح الروسي، بأموال المليار السعودي، لا تزال دونه عقبات.
أولى هذه العقبات، برأي أوساط متابعة، وقوف الاميركيين ضد هذا التسليح من ضمن صراع الدولتين العلني حول اوكرانيا، بينما يدخل السفير الاميركي ديفيد هيل مباشرة على خط العرقلة في هذا الملف.
وتزامنت الهبة الايرانية وترحيب رئيس الحكومة اللبنانية بها والمسار المتعثّر لوصول السلاح الروسي، مع معلومات تحدّثت عن قدوم موفد سعودي مؤخّرا الى لبنان حيث قام برفقة السفير السعودي علي عواض العسيري، بزيارة إحدى المرجعيات وأبلغها رغبة المملكة بأن يتمّ الاشراف على تنفيذ هبة المليار دولار من جانبه بدلا من الرئيس الحريري الذي سيبقى موجودا في هذه الفترة خارج لبنان!