IMLebanon

المساعدة في الأزمات واجب!

 

 

تؤثر الأزمات على كل شيء فتضرب المادة كما المعنويات. تمر منطقتنا العربية بأزمات كبيرة تتنقل من دولة الى أخرى وتأخذ أشكالا مختلفة تبعا للوقائع والقيادات. في الأزمات تزيد الحاجات المادية وترتفع مؤشرات الفقر ويصبح العطاء أيا كان مصدره مهما جدا ويقدر كثيرا من قبل المستفيدين. هنالك مجتمعات يزيد فيها العطاء وأخرى يكون فيها نادرا تبعا للثقافة والتقاليد والتاريخ كما الأديان. كي يكون العطاء مرتفعا، يجب أن يتكون المجتمع من مواطنين يرغبون بالتضحية، اذ لا يمكن فرضه على أحد. ثقافة العطاء ليست فقط ثقافة خير وأخلاق، انما أيضا أكثر فأكثر ثقافة أعمال ونجاح في معترك الحياة المهنية.

 

ثقافة العطاء هي طريق النجاح في القرن الواحد والعشرين أكثر بكثير من أي وقت مضى لأن الحاجة اليها اليوم أكبر بكثير من فترة قبل الكورونا، علما اننا لم ننته منها بعد. على المدى الطويل وتبعا للتجارب، العطاء هو مصدر النجاح في معترك الحياة والأعمال. يمكن القول أن المواطن ينجح أكثر عندما يكون أفضل تجاه النفس والغير والمجتمع. ركيزة النجاح المهني المتواصل يعتمد على مساعدة الأخرين خاصة المقربين. النجاح هو حلقة فاضلة تفيد كل المجتمع.

أهمية العطاء في مجتمعاتنا ارتفعت بسبب توسع فجوة الدخل والثروة. المنافسة القوية وانفتاح الحدود وغياب الرقابة وتزايد الأزمات ساهمت كلها في زيادة الحاجة الى المساعدات وبالتالي لوجود أصحاب عطاء خيِّرين وقادرين. يقول الاقتصادي «توماس بيكيتي» أن موضوع عدم المساواة واعادة توزيع الايرادات هو في قلب الصراعات السياسية والاجتماعية في كل الدول. هو الصراع الحي بين أرباب العمل والعمال، الصراع القوي بين الأقلية الغنية والأكثرية الفقيرة في كل الدول والمناطق.

هنالك من يقول أن عدم المساواة أو الفجوة المادية نتجت عن تقصير الخاسرين أو عدم الكفاءة في المنافسة في القطاعات الاجتماعية والمهنية. «الفقير من يده»كما يقول البعض وبالتالي هو غير مظلوم، بل مشكلته هي سؤ الكفاءة وضعف الانتاجية ولا مكان للقطاع العام لتحسين النتائج. هنالك معارضون لتلك النظريات وهو ما يشكل عموما اليسار السياسي الذي يدعو لتدخل القطاع العام في تصحيح التوزيع الظالم. هنالك خلافات حتى ضمن الفريق اليساري حول طرق اعادة التوزيع أي بالقوانين أو بالفرض أو عبر الحوار الاجتماعي السياسي أو غيرها.

أكثر المتضررين من عدم المسواة هم أصحاب الأجور لأن دخلهم لا يمكن أن يلحق بمؤشر ارتفاع الأسعار. تحسين الأجور في غياب العرض يرفع الأسعار مجددا وبالتالي يدخل المجتمع في حلقة آجر- أسعار مدمرة. في ظروف كهذه من الأفضل تحسين الضمانات الاجتماعية للمواطن كي يستطيع انفاق الآجر على الأمور الأهم. من الممكن رفع تعويضات النقل والطبابة والمدرسة والسكن وبالتالي يمكن أن ينفق المواطن دخله على أمور العيش العادية كالغذاء والتدفئة. المدهش أن فجوات الدخل والثروة هي أكبر في الدول النامية من المتقدمة، وبالتالي يصبح التوزيع ضروريا لكنه لا يتم بسبب الحواجز السياسية القوية القائمة.

هنا تلعب النقابات العمالية دور كبيرا في التصحيح شرط أن لا تعمل لمصلحة رأس المال وبالتالي تضر الطبقة الاجتماعية التي انتخبتها والتي من المفروض أن تعمل لصالحها. في الدول المتقدمة، هنالك فروقات كبيرة بين الوضع الاسكندنافي مثلا والوضع الأميركي الشمالي حيث يعاني الفقير أكثر بكثير في الولايات المتحدة مما هو الحال في النروج. هنالك قروقات كبيرة في الواقع والسياسات والعقليات والرغبة في التصحيح والعطاء.

تبعا للمنطق يتمتع الأشخاص الناجحون في الأعمال بأربع ميزات هي القدرة، الرغبة، الفرصة كما حسن العلاقات الاجتماعية. للنجاح المهني يجب أن يقوم الشخص بالعمل الشاق ويكون ذو كفاءة ويحتاج أيضا الى بعض الحظ. النجاح في الأعمال لا يكون بالصدفة بل بالعمل المتواصل المنتج والمنوه به اجتماعيا. ضمن هذه المجموعات الناجحة هنالك من يحب العطاء المتواصل وآخرون يرغبون بالأخذ المتواصل، كما هنالك من بينهما فيتنقلون بين المجموعتين. تشير الدراسات الى أن الذين يرغبون بالعطاء ويمارسونه ينجحون أكثر في الحياة بسبب رغبة الآخرين في التعاون معهم وفي تسهيل مهماتهم للحصول على حقوقهم. من المنطق القول أن النجاح يصبح أسهل عندما يتعاون الجميع للانجاح. من يسبق الآخرين في العطاء ينجح أولا، وهذا ما تشير اليه الاستطلاعات والاحصائيات في الدول الصناعية صاحبة المعلومات المتخصصة. أين تكمن المشكلة؟ عندما ينجح أصحاب الأخذ والجشع يكون هنالك خاسرون في المقابل، وبالتالي يواجهون مقاومة كبيرة قبل النجاح.

 

الرئيس الأميركي السابق رقم 16 «ابراهام لينكولن» كان يحب العطاء وقليل الأنانية كما تصفه كل الدراسات التاريخية. عندما فاز بالرئاسة أمام 3 منافسين أقوياء، قام بتعيينهم في أهم مراكز ادارته وبالتالي ضمن تعاونهم وجمع الأميركيين حوله. قال «مارتن لوثر كينغ» أن على الانسان أن يختار بين طريق العطاء الفاضلة وظلمة الأنانية المدمرة. للأسف قسم كبير من المواطنين يختار الطريق الثانية لأن الأنانية ما زالت مسيطرة في مختلف القطاعات وخصوصا في قطاع الأعمال. العطاء والتعاون الايجابي مع الجميع هي الطرق الفضلى للفوز في الحياة عبر التضامن والتعاون.

من أهم أهداف السياسيين الجديين تأمين الحد الأدنى من النمو للمواطن كي ترتفع مؤشرات السعادة في المجتمع. تحقيق سعادة المواطن أصبح من أهم أهداف الحكومات الحديثة غير الفاسدة. سعادة المواطن ترتفع مع زيادة الدخل والمنافع المادية ولكنها غير كافية لاستمرارية السعادة. هنالك مجتمعات يرتفع فيها الدخل الفردي لكنها لا تعتبر مجتمعات سعيدة بسبب سوء توزع الدخل وغياب النشاطات العطائية الضرورية كما بسبب زيادة التلوث والأمراض التي تترافق معه. قال «أمارتيا سن» الاقتصادي الكبير ان نوعية الحياة مرتبطة باستقلالية الانسان وبالفرص المتاحة أمامه تبعا لقدراته. هنالك مفارقة مهمة في رأي «ريشارد ايسترلين» وهي أن العلاقة بين الدخل الفردي ومؤشر السعادة المجتمعية سلبية، بينما تكون ايجابية على مستوى الفرد مما يشير الى أن السعادة تتأثر بأمور أخرى غير الدخل.

عموما الغني يكون أكثر سعادة من الفقير. معدل السعادة في الدول الغنية أعلى من المستوى في الدول الفقيرة. لكن أحيانا هنالك احصائيات تشير الى أن مواطني دول فقيرة جدا سعداء جدا. هل السبب عدم ادراك واقعهم، أم عدم رؤية كيف يعيش الغير في الدول الأخرى الغنية؟ الرغبة في تحسين الواقع المادي ضرورية جدا دفعا للتقدم والتطور وجذبا للرفاهية ولرفع مستوى السعادة بالرغم من ارتباطها أيضا بعوامل أخرى فردية وعامة.