IMLebanon

كيف يستفيد لبنان من مؤتمر غلاسكو؟

 

 

كيف يمكن تقييم مشاركة لبنان في قمّة غلاسكو للمناخ على مستوى رئيس الحكومة ووزير البيئة؟ وبعيداً عن خطاب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في المؤتمر و«تعهداته»، وعن الاجتماعات الجانبية التي أجراها لمحاولة معالجة الأزمات الناجمة من سوء المناخات السياسية، فإن السؤال الأهم هو: كيف يمكن لبلد كلبنان، الاستفادة من حضوره كمراقب في مثل هذه القمم التي تتصارع فيها الدول الكبيرة والمؤثّرة، خصوصاً الأكثر تلويثاً وتهديداً للمناخ العالمي، وبماذا يمكن أن يساهم في المؤتمرات المماثلة («كوب» 27 و28) التي ستُعقد في منطقتنا العربية (عام 2022 في مصر وعام 2023 في الإمارات)؟

 

أدرجت الحكومة في بيانها الوزاري بنداً يتعلق بالالتزام بمعالجة قضية تغيّر المناخ. وهذه بداية جيدة. إلا أن الوفاء بذلك يتطلّب اتخاذ خيارات جذرية في السياسة والاقتصاد، خصوصاً في الموضوع الأهم على أجندة هذه الحكومة والحكومات التي سبقتها، وهو تأمين الطاقة الكهربائية ومصادرها وشروطها وكلفتها وانعكاساتها… على ضوء التجارب العالمية في المفاوضات وفي ابتداع التقنيات.

وهذا بالضبط أحد أهم محاور مؤتمر غلاسكو الذي حضره أكثر من 120 رئيس دولة. فحتى اللحظات الأخيرة ما قبل انتهاء أعمال المؤتمر (بعد تمديد يوم إضافي)، طغى موضوع الطاقة وضرورة التوافق على التخلي عن الفحم ووقف دعم الوقود الأحفوري على مجمل المحادثات. صحيح أن التعديلات التي أُدخلت على البيان الختامي خفّفت من حدة هذا الموضوع، لناحية استخدام عبارة التخفيض التدريجي، إلا أن الاتجاه بات معروفاً، ولا يمكن إيقافه، مع توقع تزايد الظواهر المتطرفة مناخياً في كل أنحاء العالم.

كيف يمكن أن يقيّم بلد كلبنان أهمية هذه النتيجة، في وقت يراهن على التنقيب عن النفط والغاز في بحره وبرّه؟!

صحيح أن هذا الصراع الدولي لا يزال في بدايته، رغم بدء التداول به رسمياً منذ عام 1992 عندما أقرّ العالم، للمرة الأولى، الاتفاقية الإطارية لتغيّر المناخ (وقّع عليها لبنان)، إلا أن الصراعات التجارية بين الدول والشركات على الأسواق العالمية حالت دون الوفاء بالتزامات خفض الانبعاثات، طالما أن القاعدة لا تزال تقوم على أن من يستطيع أن ينافس أكثر، هو من ينتج ويصنّع بالوقود الأرخص (كالفحم) وبشروط بيئية وصحية أقل.

هكذا يمكن تفسير التغيير الأخير الذي طرأ بين الدول الأكثر تسبباً بالصراعات والانبعاثات أخيراً. ففي اليوم الأخير من المفاوضات، كان مفاجئاً إعلان الولايات المتحدة والصين نيتهما التعاون في حل مشكلة المناخ، إذ يعرف المتابعون أنها ليست المرة الأولى التي يعلن فيها أبرز الملوّثين وأكبر المتنافسين على الأسواق أنهما في صدد التعاون من أجل المناخ. فعل البلدان ذلك عام 2009 قبل قمة كوبنهاغن التي تعهّدت فيها الدول المتقدمة بتقديم مئة مليار دولار لصندوق المناخ، ومرة أخرى قبل عام من توقيع اتفاق باريس في عام 2014. لكن ما الذي حصل بعد ذلك؟ اندلعت أشرس حرب تجارية بينهما أطاحت بكل شيء… وبالمناخ بـ«ضهر البيعة»! فما الذي يدفع العالم الآن لكي يصدقهما؟ أول مؤشرات المصداقية في هذا المجال، وقف الحرب التجارية وتراجعهما معاً عن اقتصاد السوق القائم على المنافسة… صحيح أن حركة شركات النفط لم تكن خافية في مؤتمرات عامة وفي هذا المؤتمر طبعاً، إن عبر ممثليها المباشرين أو عبر الخبراء وممثلي الحكومات أو الإعلام، إلا أن كل ذلك لم يمنع من تبنّي كل الدول للتقارير الدولية العلمية المحذّرة، ومن حجب الظواهر المناخية التي ظهرت بالفعل، ولم تعد مجرد سيناريوهات في تقارير.

في الخلاصة، ورغم أن الإعلانات الإضافية التي حصلت في المؤتمر تناولت جزئيات ولم تذهب إلى الجوهر، إن عبر إعلان 110 دول، بينها لبنان، عن إنهاء إزالة الغابات بحلول عام 2030، أو تعهد 100 دولة حول خفض انبعاثات غاز الميثان بنسبة 30% (عن مستوى عام 2020) بحلول عام 2030، وتلك المتعلقة بانبعاثات الطيران المدني… إلا أن هذه كلها غير كافية لوقف زيادة حرارة الأرض أكثر من درجة ونصف درجة… يفترض أن تزيدها الزيادات المتوقّعة في الكوارث المناخية.

كما كان لافتاً في مؤتمر غلاسكو، وقبله أيضاً، تراجع الدول النامية عن مطلب نقل التكنولوجيا، ببعده الحقوقي، على قاعدة تعويض البلدان المتقدمة لتلك النامية، عبر إعفاء التكنولوجيا الخضراء، ولا سيما المُنتجة للطاقة المتجددة أو الموفّرة لها، من حماية حقوق الملكية الفكرية، وأن تخرج هذه المواضيع من قواعد منظمة التجارة العالمية، لتصبح مباحة للجميع.

انطلاقاً من كل ذلك، على لبنان أن يُعدّ استراتيجية شاملة لتغيّر المناخ من ضمن استراتيجيته الموعودة للتنمية المستدامة، يعيد فيها النظر في سياساته المتعلّقة بقطاع الطاقة على ضوء المتغيّرات الدولية، وبالتعاون مع البلدان النامية والعربية، باتجاه مقايضة وقف إنشاء معامل جديدة على الطاقة الأحفورية التي ستكون لمصلحة الشركات وليس لمصلحة الشعب اللبناني، عبر تعويضه بدعم مادي يتجاوز مليار دولار سنوياً لتطبيق سياسات حفظ الطاقة وإنتاج الطاقة المتجدّدة مع التغييرات المطلوبة في قطاعات المياه والنقل والزراعة والسياحة…