في كل الأزمات، هناك فرص يمكن البناء عليها. وهذا الواقع ينطبق على لبنان الذي يعرف في هذه المرحلة الصعبة هجمة على الاستثمار الصناعي من خلال اعتماده كمقر للتصنيع بهدف إشباع السوق والتصدير ايضاً. واذا تم تنظيم هذا القطاع وضبطه، قد يتحول لبنان الى بلد معتمد من قبل الشركات العالمية لتصنيع منتجاتها.
بعدما كانت كلفة التصنيع في لبنان مرتفعة جداً، تغيّرت كل المقاييس. فانهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار خفّض كثيراً من قيمة الاجور، فاللبناني الذي كان يحصل على عرض عمل لا تقل قيمته عن 5000 دولار شهرياً باتت تأتيه العروض للعمل في الخارج ابتداء من 700 دولار في الشهر، وذلك بعدما تراجعت قيمة الحد الادنى للاجور من 450 دولاراً الى حوالى 45 دولاراً. وقد شكل هذا الواقع الجديد مادة جذب للمستثمرين بحيث لجأت بعض الشركات الاجنبية العالمية مؤخراً الى البدء بتصنيع بعض منتجاتها في لبنان بالجودة نفسها المتعارَف عليها. هذه الخطوة لم تقتصر على الصناعات الغذائية فقط إنما طالت كذلك قطاع الألبسة، والحبل على الجرّار. فهل هذه التحولات كفيلة بتحويل لبنان الى بلد صناعي ومركز جذب لكبرى الشركات والعلامات التجارية؟ وما الاجراءات المطلوبة لتكريس هذا التوجه بما يمكن ان يفيد الاقتصاد اللبناني؟
في السياق، يقول نائب رئيس جمعية الصناعيين النقيب السابق للصناعات الغذائية جورج نصراوي لـ”الجمهورية” انّ لبنان اصبح من الدول الأرخص من حيث كلفة الانتاج بسبب تراجع كلفة اليد العاملة وتوفر البيئة الحاضنة، لافتاً الى انّ الفرصة سانحة اليوم للاستثمار والتصنيع في لبنان لكنّ المطلوب سن قوانين ترعى أي استثمار جديد بما يطمئن المستثمر ويشجّعه، على عكس ما يحصل راهناً، إذ في كل فترة يواجه القطاع صعوبات وعوائق تحديات جديدة. وراهناً يشكّل توفر المازوت التحدي الاكبر لاستمرارية العمل، فلا يمكن للصناعي ان يستمر بالانتاج إذا كان يفتقد الى هذه المادة، فالمازوت سلعة اساسية لأنه في غياب التغذية الكهربائية يضطر الصناعي الى تشغيل مولداته بينما نحن نستلم هذه المادة بالتقنين، وقد نتج عن ذلك انخفاض في عدد ساعات العمل في المصانع ما أدّى الى تراجع الانتاج. وأبدى نصراوي تخوّفه من رفع الدعم عن هذه المادة كي لا ترتفع كلفة الانتاج مجدداً.
وطالبَ بإبقاء الدعم على المازوت، إذ في حال ارتفع سعره سترتفع كلفة الانتاج وحُكماً ستزيد اسعار المنتجات والسلع، ووحده المستهلك من سيدفع ثمن ذلك.
وكشف نصراوي انّ القطاع الصناعي اللبناني اليوم يشهد هجمة استثمارية على الانتاج، لا سيما بعد انخفاض ميزان الاستيراد الى النصف تقريباً لِتسدّ الصناعة المحلية هذا النقص، وبات من الملاحظ انّ بعض الشركات الاجنبية بدأت تعتمد لبنان كمركز لتصنيع منتجاتها ليس فقط لتغذية السوق المحلي إنما ايضاً للتصدير. ولفت الى انّ توجّه الاستثمار نحو الصناعة قائم ويَطال العديد من القطاعات التي زاد إنتاجها وباتت تصنع لشركات عالمية، وهذه النهضة نحن بأمَسّ الحاجة اليها اليوم لأنها تؤمّن فرص عمل وتشغّل يداً عاملة لبنانية، فالصناعة تفتح المجال اليوم لإدخال عمالة جديدة الى القطاع.
وأشار نصراوي الى انّ الاستثمارات الجديدة طالت خصوصاً قطاع الالبسة الذي عاد يَنشط، قطاع الاحذية حيث الحركة لا بأس فيها، قطاعات التجميل والشامبو ومساحيق التنظيف ومشتقات مواد التعقيم، قطاع الادوية الذي زاد انتاجه، وكل هذه القطاعات بدأت تصدّر الى الخارج.
اما في خَص قطاع الصناعات الغذائية فقد شهدت نمواً وفتح خطوط إنتاج جديدة، لا سيما في قطاع المشروبات الكحولية الذي زاد إنتاجه وبنوعية عالية ومميزة تختلف بجودتها كثيراً عما كان يصنع في السابق، كما يشهد قطاع النبيذ ازدهاراً وحركة تصدير ناشطة، كذلك صناعة الويفر والشوكولا… لكن لا بد من الاشارة الى انّ قطاع الصناعات الغذائية يرتبط خصوصاً بقطاع الزراعة، وهناك العديد من المنتجات الزراعية يتم استيرادها من الخارج بينما يمكن زراعتها وانتاجها محلياً. لذا، نطالب وزارة الزراعة بإرشاد المزارعين لزراعة انواع من الحبوب يمكن انتاجها محلياً والاستغناء تالياً عن استيرادها.
وعن الاجراءات المطلوبة لاعتماد لبنان كمركز للتصنيع والتصدير، قال نصراوي: قبل الشروع بأيّ استثمار يحتاج المستثمر الى بيئة حاضنة لأعماله، وللاستقرار، ولقوانين تحمي رأسماله ولوجود دولة فاعلة قادرة وجريئة ومقدامة باتخاذ القرارات وأبعد ما يكون عن الفوضى والفساد.
ولفت نصراوي الى انه رغم التحسّن والنهضة في القطاع الصناعي واجَهنا في المقابل ضربة تَمثّلت بوقف التصدير الى السعودية التي تستحوذ على الحصة الاكبر من صادرات لبنان، ولا زلنا نسعى مع المعنيين لحل هذه المشكلة، ونحن في انتظار نتائج تحرّكنا من الجانب السعودي، ونخشى كثيراً من امتداد هذه الأزمة الى دول الخليج التي تستحوذ على ثلث صادراتنا.