Site icon IMLebanon

مسرح التنافس العالمي اقتصادياً وعسكرياً

ظهرت معالم ثروة الغاز والنفط في الحوض الشرقي للمتوسط من تقرير اميركي صدر عن هيئة رسمية اميركية هي هيئة الاستقصاء الجيولوجي الاميركية، American Geological Survey.

صدر التقرير المشار اليه عام 2010 وبيّن توافر ثروة ضخمة من الغاز في المقام الاول ومن بعد النفط في المنطقة الممتدة من المياه الاقليمية المصرية الى المياه الاقليمية الاسرائيلية والمياه الاقليمية المواجهة لغزة ومن ثم المياه الاقليمية اللبنانية والسورية والقبرصية امتداداً حتى تركيا.

وعقب اعلان هذا الأمر الذي كان معروفاً لدى السلطات الاميركية قبل اعلانه، وضع خبير أميركي من فريق وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون تقريراً اوصى بأن تطوّر الشركات الأميركية هذه الموارد في المقام الاول، وخص بالذكر منها شركة “نوبل” المسجلة في ولاية تكساس والتي هي شركة مشتركة بين اطراف أميركيين واسرائيليين حققت اكتشافات ملحوظة في المياه الاسرائيلية.

ومن الأمور المعروفة والمنسية ان شركة الغاز البريطانية بالتشارك مع شركة CCC للمقاولات التي يملكها مواطنون فلسطينيون كانت حققت اكتشافاً مهماً للغاز عام 2010 في مياه غزة، وانجزت منشآت الانتاج الذي بقي حبيس قرارات اسرائيلية منعته ما لم يخصص في المقام الاول لحاجات اسرائيل في مجال انتاج الكهرباء.

أوصى الخبير الاميركي من فريق هيلاري كلينتون بأن تجري عمليات الاستكشاف والانتاج شركات اميركية وشركة “نوبل” وان تنشأ معامل لتسييل الغاز من اسرائيل ومصر ولبنان في قبرص، وان تضخ كميات الغاز المكتشفة في المياه السورية الى تركيا، ومن ثم الى الدول الاوروبية وأولاها ايطاليا.

هدف هذا التصور كان واضحاً، ونحن نتحدث عن خطة موضوعة منذ خمس سنوات، حصر مجالات تصدير الغاز الروسي الى تركيا التي تعتمده في المقام الاول ومن بعد الى ايطاليا التي تستهلك الغاز الروسي بنسبة مرتفعة.

وأظهرت التطورات العملية ان هذا التصور لن يتحقق. فقد تزامن الوجود الروسي العسكري في سوريا، مع تحقيق اكتشاف ضخم للغاز في المياه المصرية يكفي تطويره خلال ثلاث الى أربع سنوات لكفاية حاجات مصر من الغاز لتوليد الكهرباء الى اكثر من مئة سنة.

وسبق ذلك قبيل عيد الميلاد عام 2013 اتفاق روسيا مع النظام السوري على التفرد في استكشاف وتطوير مكامن الغاز والنفط في المياه الاقليمية السورية من دون مشاركة الشركات الاميركية أو الاميركية الاسرائيلية.

قلبت روسيا التوقعات الاميركية واستأثرت منفردة بحقوق التنقيب والانتاج في منطقة تشكل جيولوجياً نسبة 25 في المئة من المنطقة التي اكتشفها الاميركيون، كما ان الشركات الروسية أظهرت استعداداً للمشاركة في أعمال الاستكشاف في المياه اللبنانية، وباتت مدعوة من الطرف الايطالي الذي حقق الاكتشاف الضخم في مصر للمشاركة في تكاليف تطويره.

يبدو من التطورات المتلاحقة والاكتشافات المحققة ان التصور الاميركي للتحكم بموارد الحوض الشرقي للمتوسط صارت ضئيلة بعد الانخراط الروسي العسكري والديبلوماسي في مجريات الحرب وتوقعات السلم في سوريا.

في المقابل، بذل الاميركيون جهودًا حثيثة للحدّ من سرعة الانتشار السياسي والاقتصادي والمالي الصيني. فالصين دخلت الاسواق الافريقية من الباب الواسع سواء على مستوى البحث والتنقيب عن النفط، وانشاء المصافي واقامة شبكات التواصل الهاتفي والالكتروني.

اعلنت الصين خلال الاشهر الاخيرة انها انشأت نظاماً مالياً لتسديد تكاليف مشتريات البلدان الشرق الاوسطية من الصين بالعملة الصينية، ووقعت اتفاقاً مع قطر يتولى بموجبه بنك قطر الوطني – الذي صار في المناسبة اكبر مصرف في العالم العربي اذ يفوق مجموع اصوله 155 مليار دولار – انجاز عمليات التسديد بالعملة الصينية لحساب المستوردين من العالم العربي، ومن بعد ايران، للمنتجات الصينية.

تحاول الصين منذ سنوات احلال عملتها في المعاملات التجارية مع الدول القريبة منها وقد باتت العملة الصينية تمثل 7 الى 9 في المئة من حجم تسديدات التجارة الخارجية عالمياً، وقد تستطيع توسيع حلقة هذا التعامل مع اطراف يعتمدون على التصدير المكثف الى الصين كما هو الحال مع روسيا التي تنجز خطوطاً لتصدير الغاز الى الصين بقيمة تفوق، لعقدين على 25 سنة، ما يزيد على 700 مليار دولار. وبدءاً من 2018 سوف تستورد الصين كميات من الغاز المسيل من غرب اوستراليا وبابوا غينيا الجديدة تفوق حجم مستورداتها حالياً من قطر، فإن هي استطاعت إحلال عملتها للتعامل استيراداً وتصديراً مع روسيا واوستراليا، يمكنها رفع نسبة التسديد في مجال التجارة العالمية بعملتها من سبعة الى تسعة في المئة الى 15-20 في المئة.

ويلاحظة ان عملات التجارة العالمية حالياً هي بالدولار بنسبة 65 في المئة، و20-22 في المئة بالاورو، و7-9 في المئة بالعملة الصينية والبقية بالجنيه الاسترليني والدولار الكندي والعملة الاوسترالية.

التنافس مع الاميركيين في مجال استخدام العملات لا يمكن ان تقدم عليه إلاّ الصين، فالاورو مهدد بالانقسامات والاعباء المتراكمة وانخفاض معدل النمو الاوروبي الى 1 في المئة على الاكثر خلال السنوات الخمس المقبلة، كما ان الاقتصاد الالماني، قاطرة الاقتصاد الاوروبي، واجه حديثاً قضية تجاوز شركة “فولكسفاغن” لمعايير ضبط معدلات العوادم من السيارات، وكانت هذه الشركة الكبرى عالمياً على صعيد الانتاج في آخر شهر حزيران المنصرم، واليوم تواجه المانيا امكان تسريح 20-30 الف عامل من شركة “فولكسفاغن”، كما تسريح 16 الف موظف من اكبر مصرف الماني “دويتشه بنك” اضافة الى 20 الفاً يعملون في شركات يملكها المصرف، وتالياً من الصعب ان يحقق الاقتصاد الالماني نمواً في 2016 إذ سيرزح أيضاً تحت ضغوط المهاجرين وقد فتحت ابواب المانيا، التي يتناقص عدد سكانها لان الولادات أقل من الوفيات، لـ1,2 مليون مهاجر غالبيتهم من المعدمين اقتصادياً.

تبقى الصين التحدي الرئيسي في وجه الاميركيين لأنها اصبحت قادرة على المنافسة الصناعية في كل مجال، سواء على الارض او في الفضاء، كما ان احتياطها من سندات الحكومة الاميركية يتجاوز الـ1700 مليار دولار ولا مصلحة للولايات المتحدة في تحريك قفير النحل هذا.