منذ بداية العام توالى صدور مؤشرات عن مؤسسات بحثية دولية تتناول أحوال البشر ودولهم، ولبنان منها. هذا يحصل كل عام، ومنذ سنوات ودائماً ما يحصل المتوقّع. لبنان يتراجع إلى الوراء، ليس بفعل الرجعية والاستعمار والاستكبار والصهيونية والإمبريالية، وإنما بسبب المتسلّطين على مقدّراته الذين بات احتكارهم يحمل اسم تحالف الميليشيا والفساد منذ سنوات.
قبل أيام صدر مؤشر الأمم المتحدة حول إحساس الشعوب بالسعادة في حياتهم، أي مقدار اطمئنانهم إلى حاضرهم وغدهم. حلّ لبنان في الإحصاء الدولي بالمرتبة 142 من أصل 143. سبقته أفغانستان في التعاسة، ربما لأنّها قفزت فوقه في منع تعليم الفتيات، لكنّه ليس شرطاً مستحيلاً في المسار المفروض على البلد. في المسائل الأخرى يتساوى البلدان: لكل منهما «طالبانه» وحشيشه وأفيونه ومربّعاته الأمنية.
أحد شروط الفوز بمرتبة التعاسة المتقدمة هو توفّر الفساد. في لبنان الكثير من هذا الصنف، وهو صناعة محلّية جاهزة للتصدير. في العام المنصرم حلّ لبنان، ببركة فاسديه، في المركز 149 من أصل 180 بلداً تناولها مؤشر الفساد العالمي. هذه المرّة أيضاً سبق أفغانستان بمرتبة محتفظاً بمركزه المتقدم للعام الثالث على التوالي، ومقدّماً نموذجاً للأبحاث اللاحقة حول «الترابط الحاسم بين الفساد والظلم» على حدّ قول معدّي الدراسة.
ولتكتمل الصورة لا بدّ من معرفة موقع البلد في مؤشر الديمقراطية. عادة يفتخر أولياء السلطة بالحديث عن النظام البرلماني الديمقراطي، رئيساً وسيّداً لنفسه وما إلى ذلك ممّا لا يمكن نسيانه، لكن في التقييم الدولي تختلف الصورة تماماً لتتبيّن الديمقراطية المزعومة على حقيقتها.
في المؤشر السنوي الذي تُعدّه «الإيكونوميست» حلّ لبنان في المرتبة 115 ضمن فئة «الأنظمة الاستبدادية»، والسبب الرئيس في هذا التصنيف «الاستبدادي» هو انعدام القدرة على محاسبة المسؤولين وانهيار المؤسسات العامة، والأمثلة على هذين الأمرين لا تُعدّ ولا تحصى. إنها حياة اللبنانيين اليوميّة.
باكتمال ثلاثي المؤشرات، التعاسة والفساد والاستبداد (يمكن تغيير الترتيب للحصول على سببيةٍ أوضح)، تكتمل معالم الحالة اللبنانية الراهنة. فقط، كان يمكن تغيير النتائج لو عملت أجهزة البحث على استطلاع آراء الميليشيا والمتنفّعين بقادتهم، لكنّا الآن في منتهى السعادة والشفافية والحرية.