IMLebanon

المعطيات العالميّة غير مُطمئِنة لأوروبا

 

كردٍّ على الأزمة المالية العالمية والتي حدثت في العام 2008، جاءت عملية التيسير الكمّي أو بما معناه الاقتصادي السياسات المالية غير التقليدية كوسيلة وحيدة للخروج من الأزمة وما ترتّب عليها من عوائق وشوائب. وإذا نجحت أميركا في الخروج من هذه الأزمة وبدأت برفع اسعار الفوائد، فإنّ أوروبا تأخّرت بعض الشيء ولم تُفلح في الوصول الى نتائج مريحة كالتي شهدها الاقتصاد الأميركي.

 

مع انتهاء عملية التسيير الكمي في أوروبا، فإنّ البنك المركزي الأوروبي قد يُبقي على اسعار فوائد متدنّية في صيف عام 2019 ما يعني حكماً تغييرات في توجّه السياسة النقدية والتوجّه نحو ما يُسمى (Quantitative Tightening) أي تشديد الكمية، الامر الذي يدعو الى السؤال عن كيفية التوجّه بهذه السياسة منذ الآن فصاعداً.

 

والاكيد لغاية الآن أنّ البنك المركزي الاوروبي يتحرك بين الرمال لا سيما مع بطالة مرتفعة ولم تزل، وبروز الشعبوية المناهضة شروط الاتحاد وكذلك مع اقتراب خروج المملكة المتحدة منه.

 

أضف الى ذلك كله التوترات التجارية المقلقة والاضطرابات في الاسواق الناشئة ما يثير المخاوف بشأن النموّ العالمي لا سيما أنه وحسب بعض المسؤولين الكبار في البنك المركزي الأوروبي أنّ حرباً تجارية اليوم هي أكبر المخاطر التي قد نشهدها لا سيما إذا سلّمنا جدلاً أنّ اميركا سوف تنفّذ تهديداتها، فإنّ متوسط معدل التعرفة الأميركية سيرتفع الى مستويات لم نشهدها منذ خمسين عاماً. هذا في المطلق ولكن السؤال يبقى عمّا إذا كان البنك الاوروبي لديه الوسائل لاتّخاذ كثير من الإجراءات لتحفيز النموّ مع اسعار فوائد في الحضيض وعن الشكل الذي ستكون فيه هذه الوسائل، لا سيما وانّ عملية التيسير الكمّي وعلى ما يبدو توقفت لأسباب قد تكون سياسية أكثر منها اقتصادية ورغم أنّ النموّ الاقتصادي ما زال فاتراً في كل المنطقة.

 

بالمطلق اوروبا تعيش فترة مقلقة وغير ثابتة إن من الناحية السياسية أو الاقتصادية وقد يكون العام 2019 وما سوف يأتي معه من وقف لشراء السندات حافلاً بالمفاجآت الاقتصادية والسياسية على حد سواء، أقلّه حتى صيف 2019 إذ إنّ أوروبا سوف تعيش دون حوافز مالية تنعش الاقتصاد ومع فوائد منخفضة للغاية ومع نسب تضخّم وإن تحسّنت بقيت هشّةً ودون المستويات المطلوبة.

 

واليوم وفي تناقض مع ذروة ازمة المنطقة بين 2011 -2014 يبدو انّ المستثمرين غير قلقين بشأن الـDefault إذ إنّ الوضع في اوروبا يبدو مختلفاً اختلافاً سياسياً عن ما قبل عام وفي ظل بروز فرصة كبيرة للشعبوية السياسية المناهضة للاتحاد الاوروبي وغياب سيناريوهات واضحة لحالة التفكّك، إذ إنّ التركيز اليوم يبدو في معظمه على قدرة تحمّل الدين في المدى الطويل حسب جوناثان بالتورا Jonathan Baltora كبار مسؤولي.AXA

 

هذا وحسب Ken Rogoff استاذ الاقتصاد في جامعة هارفرد وكبير اقتصاديّي صندوق النقد الدولي بين العامين 2001 – 2003، فإنّ عملية التيسير الكمّي تجربة خطرة وفي أوقات غير مناسبة للقيام بتجارب، خصوصاً مع هذه الفجوة السياسية بين الشمال والجنوب والتي تزايدت بشكل كبير ومقلق وحسبه دائماً ليس هنالك أيُّ مبرّر للإكمال في هذه السياسة وقد يكون من الصائب القول إنه لا يتعيّن على اوروبا احتضانها في المقام الاول. والاسباب عدة وقد يكون أهمها وحسبه ودائماً أنّ في عملية التيسير الكمي أنت تشتري ديون الحكومة، يعني ذلك انك لا تفعل ايّ شيء لأنّ الحكومة تمتلك البنك المركزي. أما إذا كنت تريد شراء الديون الخاصة فإنّ الأمر يختلف تماماً وقد يكون الحلّ الأنسب هو استخدام معدلات فوائد سلبية التي قد تكون انجح في إنجاز المهمة.

 

والصورة دائماً حسب Rogoff واضحة إذ انه وعلى سبيل المثال تدفع ايطاليا ما يزيد قليلاً عن اثنين بالمئة من الديون في الوقت الراهن، وهذا لا يتطابق مع اسعار الفائدة في السوق والشيءُ نفسه ينطبق على بعض البلدان في جنوب اوروبا مثل اليونان والبرتغال حيث ستواجه ارتفاع السوق مع اسعار فوائد دون أيّ نموّ يُذكر، الامر الذي سوف يسبّب ازمة اخرى في أوروبا- ومع المشهد العالمي حيث الولايات المتحدة تنمو بسرعة كذلك الصين حيث النمو قد ينشط مجدداً كذلك الواقع في المانيا وفرنسا ومع عدم نموٍّ في اليونان والبرتغال، كل هذا سوف يحدث فجوة في معدلات الدخل ويضع الفارق في النموّ أكبر وأكبر لا سيما وانّ اوروبا حمت نفسها بأسعار فوائد متدنّية وهذا ما حلّ ازمة اليورو ولكن ما الذي سيحدث إذا ما ارتفعت اسعار الفوائد العالمية خلال سنتين او ثلاث.

 

هذا والمشهد العالمي لا يساعد البتة وقد يكون دونالد ترامب اهم عوامل عدم الاستقرار في المشهد ولا يمكن التنبّؤ بما يمكنه فعله أضف الى ذلك عدم قدرته على الاستماع للنصائح. والمشهد الصيني لا يختلف كثيرا عن الصورة العالمية، والمؤكد انّ نموّ الصين لن يكون 7 او 6 بالمئة في السنوات الخمس او العشر المقبلة، وهنالك بعض الديون المستحقة والامر الاهم اننا لا نعرف بالواقع طبيعة التباطؤ الصيني، لكنّ طبيعة الامور توحي بأنّ هذا التباطؤ يراوح بين 2 و 3 بالمئه خلال السنوات المقبلة والذي يتأتى عنه ليس بالامر المستحب.

 

هكذا تنهي اوروبا أحد أكبر برامج طباعة النقد والتي قد تكون حالت دون انهيار منطقه اليورو بعد عقد من الزمن تميّز بالركود الاقتصادي والأزمات المالية والاضطراب السياسي، والانطلاق الى إنهاء ما يقرب من أربع سنوات من برنامج شراء السندات مع الكثير من الشكوك بشأن منطقة اليورو وحيويتها.

 

والتساؤلات حول اهمية هذه العملية وكيف حدثت وما هي منافعها تبقى متشابكة لا سيما أنه ومن البدء قال بعض الخبراء إنّ التيسير الكمي لا يمكن القيام به في منطقه اليورو، لأنها ليست حكومة ولا يمكنها اصدار سندات، وحلّ المركزي الاوروبي تلك المشكلة عن طريق شراء السندات التي تصدرها الدول الاعضاء بما يتناسب مع حجم اقتصادها كما اشترت سندات تصدرها الشركات في منطقة اليورو، وقد لاقى البرنامج انتقادات لاذعة لا سيما في المانيا والتي رات فيه إنقاذاً فعليّاً لدول مثل ايطاليا واسبانيا، كذلك اتّهموا البنك المركزي بتمويل الحكومات ومساعدتها في خرق قوانين الوحدة الأوروبية.

 

هكذا تبدو اوروبا اليوم بعد 4 سنوات على عملية، حسب Rogoff، غير جائز أن تسير بها ومع انتقادات من داخل اوروبا لها. وإذا كانت اوروبا ولغاية الآن تشكّل الـFree Riding أو الركوب المجاني على حساب اميركا سياسياً واقتصادياً فيبدو دون أيّ شك انّ عليها الآن تحمّل زمام الامور لوحدها، لا سيما وأنّ الوحدة هشّة والشعبوية في تكاثر والمعطيات العالمية غير مطمئِنة.