الاقتصاد العالمي يتغير ولا بد من أخذ رأي المواطنين في كيفية التوجه مستقبلا. فالانتخابات هي احدى الوسائل التي تسمح بفهم رأي الشعب والتوجه نحو ما تختاره الأكثرية. تكمن المشكلة أولا في تحديد نسبة الأكثرية أي هل هي النصف زائد واحد أو الثلثين أو الثلاثة أرباع وغيرها من الأنظمة المختلفة. فالانتخابات يمكن أن تكون رئاسية أو تشريعية أو بلدية أو اختيارية وليس هنالك نموذج واحد، اذ لكل مجتمع عقائده وثقافته وعليه أن يحدد بحرية كيفية اختياره للقرارات الصعبة. نعلم اليوم أن العمر المرتقب للانسان ارتفع دوليا لحدود التسعين سنة ليس في كل الدول طبعا وانما لأكثرها نضجا. في كل حال العمر المرتقب ارتفع في كل الدول وهنالك احصائيات تشير الى أن 50% من أطفال اليوم سيعيشون حتى التسعين، وهذا ممتاز ويدل على التقدم العالمي في الطب والصحة والغذاء والبنية التحتية والتعليم وغيرها. هذا يتطلب في نفس الوقت تحضيرات داخلية لتمويل الضمانات الاجتماعية التي ستصبح أكثر تكلفة.
هنالك ضرورة كي يقرر كل مجتمع سياسته البيئية لأن تعدد المؤتمرات وحده لا يكفي بل يجب اتخاذ القرارات المناسبة الوطنية عبر انتخابات أو غيرها من الوسائل التي توصل صوت الشعب الى المسؤولين. هنالك ضرورة للتفاهم في المجتمعات حول طريقة قبول الذكاء الاصطناعي فيها ضمن ضوابط يحددها المجتمع، أهمها أن لا تحل التكنولوجيا مكان الانسان في أسواق العمل بل تكون مكملة له أو مساعدة له. هنالك خوف عالمي غير مبرر من الذكاء الاصطناعي والمطلوب الاستفادة منه للنمو ضمن قواعد منطقية علنية تناسب المجتمع. هنالك وعي عالمي لأهمية الغذاء الصحيح حيث تشير الدراسات الى أن الذي يعتني بصحته وغذائه يعيش 10 سنوات أكثر من المهمل، ونتكلم هنا طبعا عن المعدلات. هنالك ضرورة للعمل ليس فقط لتأمين العيش الكريم بل للمساهمة في انماء المجتمعات وتطويرها. اقتصادات اليوم تبنى على التكنولوجيا والتجدد والتغيير، وهذا ليس بالأمر البديهي والسهل.
تأمين حصول الاتخابات وحريتها ليسا بالأمر السهل. في لبنان فشلنا مرارا في تحقيق انتخابات على مستويات متعددة كما فشلنا في تأمين شفافية هذه الانتخابات عندما حصلت. الخاسر لا يهنئ الربح، بل يتحجج عموما بوقائع وهمية لتبرير سقوطه. اعتمدنا الانتخابات لكننا لم نصل الى النضج المطلوب لقبول نتائجها. ما زلنا في لبنان من دون رئيس وما يتبع من حكومة جديدة وجو جديد يسمح للاقتصاد بالنمو والازدهار. فشلنا في لبنان أيضا ومرارا في تحقيق انتخابات بلدية واختيارية لأسباب لا نجمع عليها كلبنانيين، بل تفرض علينا في العديد من الحالات. هذا الفشل الانتخابي له تأثيرات كبيرة على مستقبل البلد وطموحات شبابه ويزيد الرغبة في الهجرة. الانتخابات غير الكاملة أفضل من عدمها في مجتمعات اختارت هذه الوسيلة. أما الحرب القائمة فلا يمكن تقييم خسائرها الضخمة بعد، انما ستكون لا شك موجعة.
حصلت انتخابات عدة هذه السنة في دول غير مكتملة النمو والثقافة ونجحت في احترام صوت الشعب الذي يجب أن يقرر بطريقة أو أخرى. في المكسيك تم اختيار سيدة للمرة الأولى كرئيسة للبلاد وها هي تحكم. لم يعترض المنافسون على النتائج بل قبلوها وتم تهنئة الرئيسة من قبل السيدة المنافسة وغيرها. تلعب المكسيك اليوم دورا كبيرا في استقبال الاستثمارات الصينية التي تهدف الى «غزو» الأسواق الأميركية الشمالية. تستفيد المكسيك من الاستثمارات للنمو ولتوسيع أسواق العمل الداخلية، كما تستفيد الصين من تخفيف تكلفة النقل الباهظة. في الحدود المكسيكية مع الولابات المتحدة هنالك ازدهار كبير سيساهم مع الوقت في تخفيف الهجرة المؤلمة غير الشرعية.
أما في ايران، فتمت انتخابات رئاسية ممتازة سبقها نقاشات عدة ومنازلات اعلامية بين المرشحين. اختار الايرانيون ما يناسبهم ولم يعترض أحد على النتائج وما حصل هو تهنئة الخاسر الرئيسي للرئيس الفائز، وهذا يدل على نضج سياسي منظم ولافت للنظر. في فرنسا تمت انتخابات تشريعية أوروبية هزت حكم الرئيس ماكرون الذي حل مجلس النواب وفرض حصول انتخابات تشريعية لم تعطه ما يريد. رأي الشعب هو القرار، ومهما تذاكى السياسيون فسيعودون له عاجلا أم آجلا. لا بد لنا من النظر بكل اعجاب الى الانتخابات النيابية الهندية التي سمحت بالتجديد للرئيس مودي. الانتخابات الهندية مضرب مثل للاستفتاء الديموقراطي الذي يأخذ وقتا طويلا للتنفيذ لكنه ينتهي دائما بتقوية سلطة الشعب في اختيار ممثليه وقياداته.
لا يمكن أن ننسى ما حصل في بريطانيا حيث تخلى الشعب عن المحافظين وسمح لحزب العمال بالحكم. 14 سنة من حكم المحافظين مع 5 رؤساء حكومات كانت كافية لتغييرهم وجذب وجوه جديدة مع سياسات جديدة تسمح لبريطانيا بتغيير مسيرتها نحو الأفضل. هل يملك رئيس الوزراء الجديد الشجاعة لفرض عودة بريطانيا الى الوحدة الأوروبية، علما أن أكثرية الشعب تريد ذلك وهي تصرح بأنها أخطأت في اعتماد البريكسيت. ليس من السهولة على الحكم الجديد الغاء البريكسيت بسرعة بل يتطلب ذلك الوقت وذلك أيضا لمعرفة مدى رغبة الأوروبيين الأخرين في عودة بريطانيا اليهم وهي التي لم تظهر يوما حبها لأوروبا الواحدة.
أما «لؤلؤة» الانتخابات الرئاسية فستكون في الولايات المتحدة حيث المنافسة حادة والأفكار والبرامج متضاربة. انسحب الرئيس بايدن من المنافسة بعد المناظرة الكارثية، وها هي نائبة الرئيس «كمالا هاريس» تقود المنافسة ضد «دونالد ترامب» وحزبه الجمهوري. انتخابات مهمة جدا ليس فقط للسياسات المرتبطة بالداخل الأميركي أي بكل ما يتعلق بالتكنولوجيا والهجرة والانتاجية، وانما خاصة بالخارج أي بأوكرانيا وروسيا وغزة وأوروبا والصين وغيرها. الفارق كبير بين المنافسين في كل شيء تقريبا، وهذا سينعكس بقوة على منطقتنا وبقية مناطق العالم.