IMLebanon

الإرهاب العالمي… حالة تطرّف أم سياسة هيمنة؟

يُرسَم واقع عالمنا المعاصر في ظلّ تكاثر الأحداث ذات البصمات الإرهابية، من جهة، فتفجيرات الضاحية في بيروت في الفترة الأخيرة، والأعمال الإرهابية المتنقّلة بين باريس ولندن والولايات المتحدة، إضافةً لتلك المشاهد المرعبة التي تحتلّ نشراتنا الإخبارية كلّ يوم، تشكّل جميعها أعمالاً إرهابية مدفوعة بغرائز التطرّف الديني. ووسط توالي المؤتمرات والاتفاقات الدولية والإقليمية والمحلية لمجابهة الإرهاب والحدّ من انتشاره، من خلال وضع السياسات لمكافحته عبر التعاون الدولي من جهة أخرى.

واقعٌ يحمل في طياته وعلى صفحاته أعمالاً إرهابية تهزّ العالم بصوَرها المرعبة، فمشاهد الانفجارات والإعدامات والإبادات والاغتصابات والتجويع وسحق الحضارات، لا تبرير لها ولا تفسير إلّا أنّها أعمال إجرامية مصدرها النزعات الغرائزية لدى الإنسان.

لقد شهدت البشرية منذ تكوينها مسارًا تصاعديًا للإرهاب والإجرام، فخريطة التطورات لهذا المسار تنذِر بخطر التدمير الذاتي للبشر. إنّ هذه الأعمال الإرهابية والإجرامية سيقَت تحت عنوانين مختلفة ومتنوعة، وقامت بها جماعات ودول صبّت جميعها في هدف واحد، هو بسط السيطرة على الشعوب.

فالإرهاب كما يعرَّفَ في المعاجم هو :»عمل يهدف إلى ترويع فرد أو جماعة أو دولة بغية تحقيق أهداف لا تجيزها القوانين المحلية أو الدولية». إنطلاقًا من هذا التعريف نجد أنّ الإرهاب يتخطى حدود التفكير البشري وقوانينه الأخلاقية والدينية، كما ويجتاح الحدود الجغرافية للدول لتنفيذ أعماله.

ولأنّ الإرهاب أصبح اليوم معَولمًا من خلال استخدامه للوسائل التكنولوجية الحديثة، خصوصًا وسائل التواصل الاجتماعية، التي لم يوفرّها الإرهاب في ضرب واصطياد ضحاياه لترويعهم، باتت خطورته تطال عمقَ العالم، فهو إرهاب متنقّل بين عواصم دول العالم دون استثناء. الأمر الذي خلقَ حالة من الوعي الذاتي عند حكومات الدول والتنبّه لمدى خطورة انتشار الإرهاب عالميًا.

في سرعة التطورات العالمية، وأمام ما تشهده الساحة من نموّ الإرهاب فكرًا وتنفيذًا، تفرض الدولة الإسلامية «داعش» بأعمالها الإجرامية ذاتها من خلال خرق الحدود، وتبنّي العمليات الانتحارية، بل عبر تخطّيها الحدود والتنوّع في تنفيذ إجرامها، وفي خرقها للأمن العالمي، ما أطلق على هذا بالإرهاب العالمي.

فهذا يدفعنا لطرح الإشكالية التالية: «هل الإرهاب حالة نفسية عند من تعرّضَ للتمييز والتعنيف والحرمان، ما كوّن لديه عقدة نقص ترجمت فيما بعد بسلوك عدواني؟ أم هي نتيجة لسياسات دول كبرى أرادت ترهيب الشعوب في سبيل استعبادها ونهب خيراتها؟»

ننطلق من نظرة «ألفرد أدلر» عالم النفس النمساوي الذي يرى: «أنّ التنشئة الاجتماعية تضع قيوداً عديدة على الفرد وتظلمه وتشعِره بالنقص…ونتيجة لذلك فإنّ الطفل غالبًا ما يلجَأ إلى أساليب تعويضية كعالم الخيال أو توكيد شخصيته بالسيطرة وإرادة القوة أو القيام بتصرّفات منحطّة… وهو الأمر الذي يوجّه نشاط الطفل عادةً إلى الخداع والكذب ويدفَع به نحو العنف والعدوان سبيلًا يؤكّد به ذاته ويشعر من حوله بوجوده».

إذاً، يبدو أنّ الإرهاب ليس وليدة الصدفة، بل هو نتيجة سلوكيات الدوَل المستعمرة التي مارست الظلم، وزرعت الحقد في النفوس، ورسّخت في عقول الناس روحَ الانتقام عند من عرفَ مرارة الاستبداد. لهذا، فعقدة النقص التي زرعَتها دول الاستعمار من خلال أفعالها في العالم تترجَم اليوم في ردّة فعل الكثير عبر تنفيذ إرهاب لا يرحَم تجاه الأبرياء انطلاقاً من وطننا العربي وصولًا إلى أصقاع العالم.

أمّا في نظرة الإرهاب المصنّع في دول القرار، يرتبط هذا مباشرةً بما تمّ طرحه سابقًا على لسان رئيس وكالة الإستخبارات الأميركية «جيمس وولسي» عام 2006 بقوله: «سنصنــع لهــم إسلامــاً يناسبنــا، ثــمّ نجعلهــم يقومــون بالثــورات، ثــمّ يتــمّ انقسامُهــم علــى بعــض بنعَــرات تعصّبيــة. ومِــن بعدهــا قادمــون للزحــف وســوف ننتصــر».

يبدو من هذا القول، أنّ داعش هي صنيعة من يريد إعادة بناء إمبرياليته على نمط الاستعمار القديم، وهذا ما يتقاطع مع المشروع القديم والمستحدث، ألا وهو «المشروع الصهيوني»، الذي ارتكز على فرض المشروع القطري على الدول العربية والنامية لبسط الهيمنة والسيطرة على تلك الشعوب. انطلاقًا من هنا، نستنتج أنّ الإرهاب العالمي، هو فعل سياسة إمبريالية تعتمدها الدول القوية لبسط نفوذها على الدول الأخرى.

لذلك، وبغَضّ النظر عن السبب العام الذي يحفّز الإرهاب العالمي اليوم، إلّا أنّ العالم المعاصر أمام واقع جديد متمثّل في سرعة انتقال الأعمال الإرهابية بين الحدود، وفي سهولة تحقيق أهدافها. ما يضع العالم أمام تحَدّ جدّي متمثّل في إعادة رسم قوانين جديدة، وفرض قواعد أخلاقية تهدف للحدّ من التفلّت الرقابي لنزوعات الإنسان ولغرائزه، التي باتت اليوم تصل إلى حدّ اللاإنسانية في التعامل بين البشر.

وأمّا الخطورة هنا، فتكمن في تداخل المصالح بين النزعة الإرهابية المتمثّلة في التطرّف الديني، وبين نشر مبادئ الفكر البرغماتي التي تسعى من خلاله وسائله كالشركات المتعددة الجنسيات والوسائل الإعلامية… إلى تدمير ممنهج لمفهوم الدولة علّها تتفلّت من القيود لسلب الخيرات ونهبها.