عام 1840 كتب فيكتور هيغو “كم من المحزن ان الطبيعة تخاطبنا والانسان لا يستمع”. يبدو اننا لا نزال في تفكيرنا عن الطبيعة وتسببنا بالاضرار البيئية، نعيش في القرن التاسع عشر ونحضر مؤتمرات القرن الحادي والعشرين.
المؤتمر الدولي الذي انعقد في باريس لاقرار اتفاق شبه ملزم لمنع ارتفاع حرارة المناخ العالمي درجتين حتى سنة 2030 يبدو كأنه توصل الى مبادئ واقتراحات وتوصيات نشك في ان تحقق الاهداف المنشودة.
يأسف كل انسان يدرك اخطار تزايد الحرارة سواء لازدياد اخطار الفيضانات وطوفان مياه البحار على جزر متعددة ومدن حضارية واسعة كنيويورك ومومباي وهونغ كونغ والقحط الذي يصيب المحاصيل وجفاف الاراضي الخصبة ونقص توافر الغذاء عالميًا، لعجز قادة الدول عن اتخاذ قرارات قاطعة.
اسباب الاحتباس الحراري معروفة ومن أهمها استخدام الفحم الحجري لانتاج الكهرباء، والاعتماد على المشتقات النفطية لكل وسائل النقل البري والبحري والجوي، وتوسع استعمال السيارات ذات الدفع الرباعي التي تستهلك الوقود بنسبة مرتفعة.
صوت لبنان في مؤتمر باريس كان لا بد خجولاً، فكيف لبلد في حجمه الصغير الذي لا يوازي بشرياً مع المهجرين الجدد نصف سكان نيويورك أو ثلث سكان بومباي، ان يسمع صوته وحكومته عاجزة عن حل مشكلة النفايات. ومع ذلك يؤكد وزير البيئة المتنحي عن العمل لا عن السفر للاشتراك في المؤتمرات الدولية ان لبنان سيخفض مستويات الانبعاثات المضرة بالبيئة بنسبة 30 في المئة قبل سنة 2030 ومن أجل تحفيز الوزير على وعي ما وعد به نشير الى بعض ما علينا اقراره والتقيد به.
أولاً: علينا التوقف عن تمويه وضع الكهرباء في لبنان. فالكهرباء غير مقطوعة عن غالبية المناطق لان طاقة المولدات الخاصة تفوق طاقة معامل انتاج الكهرباء العاملة، وتالياً فإن لبنان واهله يتحملون تكاليف مرتفعة لاستيراد مشتقات النفط لتشغيل المعامل الكبيرة والمولدات الصغيرة والمتوسطة.
الحل الممكن، والاكيد انه متأخر اذ ليست لدينا شجاعة القرار والتزام المصلحة العامة، هو انشاء مصنع بطاقة 2400 ميغاوات، يمكن انجازه خلال سنتين وبكلفة لا تتعدى ملياري دولار (ما كنا ندفعه لتغطية عجز تكاليف مشتقات توليد الكهرباء في المعامل القائمة) ويشغل باستعمال لقيم الغاز المستورد مسيلاً والمحول الى غاز طبيعي. وكلفة الكيلووات ساعة من معمل كهذا، قياسًا بما انجز في الخليج، لا تزيد على سبعة سنتات لكل كيلووات ساعة في مقابل 25-27 سنتًا نتحملها الآن.
الغاز الطبيعي ينتج مفاعيل تلوث لكنها أقل بكثير من استعمال مشتقات النفط، ولا سيما منها الفيول أويل أو الفحم الحجري الذي كان اقترحه الوزير طابوريان عندما تولى وزارة الطاقة ممثلاً لـ”التيار الوطني الحر”.
والغاز الطبيعي يسهم في حال تأمينه لمصانع الاسمنت في منطقة شكا، في الحل، وليس ما يمنع ايصاله الى مصنع سبلين ان لم يكن عبر خط انابيب نقل الغاز من الشمال الى الجنوب، فبواسطة محطة لاستقبال الغاز المسيَّل في الجية.
لا مفر من هذا التحول وكلما توجهنا نحو الانجاز السريع استطعنا توفير كلفة الطاقة الاجمالية وارتفاع نسب التلوث التي تتآكل حياتنا وصحتنا تدريجيا. ومن الطبيعي القول ان اطلاق البحث عن ثروات الغاز المقدر توافرها في المياه الاقليمية أصبح ممكناً، اذا توافرت رغبة الشركات المهتمة سابقًا، بعمليات البحث والتنقيب بعد التأخير الفاضح لعملية انجاز اتفاقات البحث والتنقيب والانتاج ومجلس النواب المغيب عن حاجات اللبنانيين هو المسؤول الاول، وخلفه تماماً تقف هيئة ادارة شؤون النفط التي تألفت على أسس طائفية معيبة كي لا تعمل.
ثانياً: يجب ان نشترع قوانين تشجع على استبدال السيارات القديمة التي تستهلك البنزين بكثافة وسيارات الاجرة التي تعمل على المازوت القاتل صحيًا بسيارات حديثة تحقق وفورات ملحوظة، وفي هذا النطاق لا بد من الاشارة الى ضرورة تشجيع استيراد السيارات الهجينة (أي التي تسير على البنزين والكهرباء) والتي تستهلك الوقود على مستوى لا يزيد عن نسبة 50 في المئة من استهلاك وقود السيارات العادية، لكن هذه السيارات لا تزال تخضع لرسوم جمركية مضاعفة باعتبار انها مجهزة بمحركين، احدهما كهربائي والآخر ميكانيكي يعمل على البنزين.
جميع بلدان العالم الراقية تشجع على اقتناء السيارات والحافلات الهجينة سواء في نيويورك، لندن، باريس، روما الخ.
ثالثاً: يفترض تعديل وسائل النقل بزيادة الاعتماد على وسائل النقل العامة، وهذه تفترض توافر قطارات كهربائية تربط بين ضواحي بيروت ووسط المدينة، كما ترفد بقطارات كهربائية كالتي نشهدها في سيدني في أوستراليا، أو بوردو في فرنسا، ويصير الاعتماد على هذه الوسائل البديل من استعمال السيارات وخصوصاً للافراد. وكحل سريع ومؤقت يمكن الاعتماد على حافلات تعمل على الغاز الى حين اعتماد القطارات الكهربائية.
رابعاً: تعميم وتوسيع الاعتماد على الطاقة البديلة والزام طالبي رخص البناء تجهيز ابنيتهم بالواح اختزان الطاقة الشمسية أو الطاقة الهوائية من أجل تحقيق وفورات في استهلاك المازوت لحاجات التدفئة المنزلية وايضاً لتوليد الكهرباء.
خامساً العمل على تشجير المناطق الجبلية وزيادة المحميات الطبيعية والمساحات الحرجية وتعويض خسائر الحرائق التي سببت تآكل الاحراج اللبنانية سواء بسبب ارتفاع الحرارة في أشهر الصيف، أو الحرائق الناتجة من حرق النفايات أو الاهمال أو الاعمال التخريبية المتعمدة التي كان القصد منها تخريب الطبيعة الخلابة للبلد في جباله كما في مياهه الملوثة من المجارير ونفايات المصانع غير الملتزمة الشروط البيئية والصحية سواء للمواطنين او الثروات السمكية. كما يمكن العمل على الزام المباني في المدن سقف ابنيتها بالاخضر.
المبادرات المشار اليها قد لا تكفي لخفض معدلات التلوث المناخي بنسبة 30 في المئة، لكنها بالتأكيد تنقلنا في هذا الاتجاه، هذا بالطبع اذا تذكرنا ان قوة الاقناع بتحقيق الاهداف الكبيرة تبدأ بالتغلب على المصاعب الآنية اي ازمة النفايات، أيها المسؤولون.
صورة الاحتياط حول الانحلال المناخي والبيئي لا تكون مكتملة اذا اهملنا شروط اجراء الاختبارات على نفايات المصانع التي ترمى في البحر. فهنالك ما يسمى اختبارات التأثير البيئي للممارسات الصناعية Environmental Impact Assessment (EIA)، ومن الامثلة الواضحة التي يجب التحوّط لها، معامل الجفت التي كثيرًا ما ترمى نفاياتها في مجاري الانهر، ومعامل الالومنيوم، وبالأخص معامل الاسمنت القريبة من الشواطئ والمعامل الاكثر ضررًا وتعريضًا للبيئة هي معامل الاسمدة التي منها معامل في سلعاتا لا بد من دراسة المياه المحيطة بها بصورة دورية لانها مياه تعشش فيها الاسماك، والامل هو حمايتها.
واننا نتوجه الى الوزارة بهذه التوصيات ان كان لنا ان نستحق مكانة في المجتمع الدولي، والاعتكاف عن العمل على الصعد المشار اليها وغيرها كثير يسهم في دفع لبنان نحو التهاوي.