ذكر رئيس الوزراء التركي داوود أوغلو إثر حادثة إسقاط الطائرة الروسية بـ«أنّ القوات التركية قد التزمت في فعلتها هذه «قواعد الإشتباك» التي تنصّ عليها القوانين الدولية». وفي حادثة آخرى، قالت وزارة الخارجية الصينية :«إنّ الصين تمتلك الحق في البناء على أراضيها، وإنّ ذلك لن يؤثر على حرّية الملاحة أو العبور الجوّي في هذه المنطقة، وإنّها ستعمل جنباً إلى جنب مع دول الآسيان للحفاظ على السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي، وستحل النزاعات من خلال المفاوضات».
هذه الحوادث المتعددة شكّلت اليوم محور الاهتمام العالمي، حيث انعكاساتها طالت الساحة الدولية، ما سهّل انتقال الصراعات عبر الحدود الدولية وتحت جناح النظام الدولي الجديد.
في العلوم العسكرية تعرّف قواعد الاشتباك (Rules of Engagement)، بأنّها «القواعد التي تلتزمها القوات المسلحة عند استعمال القوة في خضمّ العمليات العسكرية التي تضطلع بها في المسرح الدولي أو الإقليمي أو الوطني سواءٌ في النزاعات المسلحة أو مهمات حفظ السلام».
ويعرفها حلف شمال الأطلسي بـ«أنّها إيعازات تصدر من جهة عسكرية مأذونة ترسم الظروف والحدود التي يسمح فيها للقوات المسلحة بالشروع في الإشتباك أو مواصلته».
لقد وضعت تلك القواعد سابقاً من أجل الحفاظ على سلامة الحدود وعدم خرقها بين الدول. لذا، فقد باتت الخطورة تكمن في تخطّيها وعدم التقيّد بها، ما يفسح في المجال لتزايد الصراعات بين الدول.
أمام واقع التحدّيات الكبرى التي فرضتها العولمة على البشرية، من خلال كسر الحدود واستباحتها، وانتهاك السيادات، وجعل الدول عاجزة عن حماية كيانها. إضافة إلى رسمها لشبكة العلاقات بين البشر، وتدفق المعلومة عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وإلغاء الهويّة الوطنية وحتى القومية، ودمج الفرد في هويّة كونية أضاعت عنده منطق التفكير السليم.
لذلك، باتت الدول في زمن العولمة أمام أزمة وجودية حقيقة تهدّد حدودها ومصالحها بشكلٍ جدّي. ووضعت قواعد الإشتباك أمام أطماع مصالح الدول التي لن تتوانى عن خرقها في سبيل تأمين تلك المصالح.
في ظلّ الخريطة الجديدة لحدود العالم، وبسبب ما أنتجته العولمة من تحدّيات كبرى تجاه البشرية أهمها، زيادة نسبة المهاجرين، وانتشار الأعمال الإرهابية، والأزمات الإقتصادية الخانقة التي تتخبّط بها حتى الدول المتطوّرة، إضافة إلى تضاؤل نسبة الموارد الأوّلية في العالم.
كلّ هذا يوضّح أنّ الحدود والجغرافيا لدول العالم ستكونان موضع اشتباك في الصراعات القائمة واللاحقة بين الدول. فالعالم أصبح أسيرَ الصدامات، لأنّه يرزح تحت سلطة أطماع شركات عملاقة تحدّد سياسات دولها للقيام بالنهب والاستعمار للدول النامية. وبسبب وسائله الإعلامية التي كسرت الحواجز الفكرية وقرّبت المسافات وعملت على برمجة الفكر العالمي وحصره ضمن منظومتها.
لذلك، وفي ظلّ توالي تلك الأحداث العالمية صار من المؤكد أنّ قانون «قواعد الإشتباك» أصبح وجهة نظر بين أطراف القتال، لأنّه يتعلّق بحدّة المصالح للدول. ففي وسط عالم يتخبّط في نظام عولمي تداخلت فيه الحدود وتقلّصت مساحاته، فقدت البشرية كلّ أنواع قواعد الإشتباك.
لقد بات العالم اليوم يعيش عالم الحدود المفتوحة، والتداخل المطلق للمصالح الدولية، الأمر الذي سيدفع أكثر وأكثر لخرق قانون قواعد الإشتباك في الأيام اللاحقة، فها هو الصراع التركي- العراقي حول الدخول العسكري التركي لأراضٍٍ عراقية تحت ذريعة حماية مواقع التدريب لديها من تنظيم الدولة الإسلامية لدليل واضح على ما يدور في فلك العولمة.
ولكن رغم هذه الخروقات المستمرة إلّا أنّ الحرص العالمي على عدم الدخول في حرب عالمية يبقى حاضراً في خطابات قادة الدول، فالرئيس بوتين على سبيل المثال لا الحصر أعلن «أنّ روسيا لن تجرّ العالم إلى حرب كونية».
لكن رغم الحذر الشديد بالمحافظة على قواعد الاشتباك وعدم الإنجرار وراء حروب كونية، إلّا أنّ تدمير الإنسانية لا يزال مستمراً وفق مصالح الدول المتصارعة.
أخيراً، يبقى النظام الدولي العالمي أمام خياراته المفتوحة على كلّ الإحتمالات، لا سيما أنّ قواعد الاشتباك أصبحت وجهة نظر تحدّدها مصالح الأقوياء، وفي ظلّ غياب شبه تام لدور المنظمات العالمية وضعف قدرة تأثيرها في تلك الأحداث، ووسط غياب تامّ لمقدرة الدول على ضبط حدودها، إضافة إلى ما يحدث في العالم، باتت حدوده ضائعة تحت عناوين مختلفة.